حدث قبل أربعة أعوام :اشتباكات عنيفة بين الثوار وكتائب العقيد القذافي

ليبيا (عدن لنج)خاص:

يوم 13 يوليو 2011 حوالي العاشرة صباحا وجدت نفسي انا وطاقم بي بي سي الانجليزية محاصرين فجأة في بلدة القواليش، جنوب غربي طرابلس، من قبل القوات الموالية لمعمر القذافي. انطلقت نيران المدفعية الرشاشة والبنادق الآلية والشيلكا بقوة نحونا ومن ثلاثة اتجاهات.

 

بعد أن تمكننا من الفرار بسياراتنا، بقي شاب ليبي أعزل ووحيد، رفض من شدة الخوف أن ينضم إلينا، فاختبأ داخل أحد المنازل القريبة من خط الجبهة. وما هي إلا حوالي نصف ساعة حتى كانت البلدة برمتها تحت قبضة "كتائب العقيد".


في المساء عدنا إلى القرية ذاتها، فوجدنا المعارضة المسلحة قد استرجعتها. كان المقاتلون يتألفون من مسلحي قبيلة الزنتان العربية، والقبائل المحيطة بيفرن والقلعة، الأمازيغية. كانوا كلهم شرسين في ساحة الوغى. وكانوا جميعهم مصممين على إزاحة العقيد وجماهيريته من الحكم.اقترب مني أحد المقاتلين مع غروب الشمس ليسألني إن كنت أتذكر ذاك الشاب الذي رفض الانسحاب معنا، فقلت له أي نعم. أدمعت عيناه ثم قال: لقد قبضوا عليه، وقطعوا رأسه، وأخرجوا قلبه من موضعه.وبينما كنا منهمكين في هذا الحديث كانت المعركة ما تزال طاحنة بين الفريقين على مسافة قريبة. وغير بعيد عنا كانت على الأرض جثث شباب أفارقة، يبدو أنهم انضموا للقتال دفاعا عن العقيد.


الشاب الذي التجأ لأحد البيوت كان قد جاء في الصباح إلى تلك الجبهة مرتديا سروالا صيفيا قصيرا، ونعلا يليق السير به في الشاطيء. سألته من أين قدم، فقال إنه وصل للتو من أستراليا عبر تونس. وأنه يزور ليبيا لأول مرة منذ ستة عشر عاما.


كتب له الموت إذن في ليبيا، بعيدا بحوالي مائة كيلومتر عن منطقة سوق الجمعة التي ينحدر منها في طرابلس.


أتساءل ما الذي كان سيشعر به ذلك الشاب، لو أنه يرى ماذا حل بليبيا بعد مضي أربعة اعوام على ذلك اليوم المشهود.سيجد الزنتان وقد أصبحوا جيشا مدججا، على خلاف مع أهالي يفرن والقلعة في جبل نفوسة، ومع أهل الزاوية وزوارة في الساحل. والعكس صحيح.سيجد أن "الثوار" أصبحوا ميليشيات متطاحنة في ما بينها في طرابلس ومصراته وسرت وبنغازي.


سيجد البلاد مقسمة بين شرق تقوده "حكومة البرلمان"، وغرب تسيطر على غالبية مساحاته جماعة "المؤتمر الوطني".


سيجد أن التنقل ما بين القواليش التي أسلم الروح فيها، وطرابلس التي كان يحلم برؤيتها، محفوفة بالمخاطر، والمار في الطرق المؤدية إليها غير مضمون مصيره.


سيجد الكثير ممن كانوا يحملون السلاح في تلك الجبهة قد وجهوا البنادق نحو بعضهم البعض.


سيكتشف أن ما حدث في ليبيا كان رغبة من شباب سئم العيش في "مملكة الجنون" التي بناها القذافي بخياله الجامح، وسيعلم أن ما حدث كان انتفاضة عاطفية لم تؤازرها خطة أو رؤية متفق عليها في نطاق واسع لبناء ليبيا ما بعد القذافي.


سيتألم وهو يرى أن تلك الانتفاضة النظيفة في البدء قد تحول بعض قادتها إلى لصوص للمال العام ربما يفوقون في فسادهم ما بلغه بعض أركان نظام العقيد.


لو أن عقارب الساعة كانت تدور، لتريث الشاب ابن سوق الجمعة، ولأجل رحلته النهائية من أستراليا نحو حتفه، لبضعة شهور أو ربما سنوات، فشروط الثورة الاجتماعية المتكاملة الأركان لم تنضج بعد.


كنا حينها نسمع الليبيين يرفعون في مظاهراتهم وجبهات قتالهم شعار" دم الشهداء، ما يمشيش هباء". أتراه سيوافقهم الرأي الآن؟؟

 

كتب\الإعلامي عبدالرحيم الفارسي