اسرة الفقيد الميسري تستقبل واجب العزاء بعدن
استقبل محمد الميسري، رئيس قسم المشتريات بديوان وزارة العدل، اليوم واجب العزاء في وفاة والده نائب مدي...
ضرب الكهل المارِعي (نسبة إلى بلدة مارِع في ريف حلف السمالي) جبهته بكفه ومررها على شعره،وهى يقول:"يا ألله، لقد ضِعنَا وضيعونا". التفت خلفه ليلقي نظرة خاطفة ثم عاد ليكمل حديثه:"تصوروا بربكم، ذلك الشاب يقود خمسمائة مقاتل في حلب، كيف يسمح لنفسه بالخروج إلى تركيا في هذا اليوم؟!".
كنت جالسا داخل السيارة، أمام معبر كِلِسْ-السلامة، مستغرقا في حديث شامل مع أبي محمد (اسم مستعار) عن الوضع في سورية وتركيا منذ أن افترقنا آخر مرة داخل الأراضي السورية قبل نحو ثلاثة أعوام.
لحظتها انضم إلينا المارعي الذي كان يدخن سيجارة رقيقة بتوتر شديد.
التفتُّ إلى الخلف لأشاهد "القائد" العسكري القادم من حلب. كان شابا طويل القامة، عريض المنكبين. تبدو عليه آثار النعمة. بجانبه شخص في مثل سنه وملامحه، لكن جسده لم يكن خشنا كصاحبه. علق المارعي قائلا:"هذا هو مسير الأمور المالية للجماعة التي نتحدث عنها. قبل سنوات كان فقيرا. واليوم أصبحت لديهم مشروعات ، من بينها مطعم في كِلِسْ مؤلف من ثلاثة طوابق".
كانت الأنباء القادمة من حلب تشير إلى سيطرة تنظيم (الدولة الإسلامية) على بلدة (أم حوش) بعد أن فجر انتحاري من التنظيم سيارته في حاجز لمقاتلي (الجيش الحر) وفصائل أخرى متحالفة معه، تلاه تسلل لمقاتلي التنظيم إلى البلدة، وما إن أشرقت الشمس حتى كانت أم حوش بيد جماعة أبي بكر البغدادي.
كان التفجير الانتحاري حاسما في تمهيد الطريق لسقوط البلدة، وهو ما زاد في قلق الكهل على بلدته مارع المجاورة، التي إن سقطت، أصبح من الصعب على الحكومة التركية أن تفي بوعدها بإقامة منطقة آمنة في شمالي حلب، تعيد إليها اللاجئين وتجمع فيها النازحين وتدخل إليها الحكومة الانتقالية.
مرت هذه الأمور ببالي وأنا أتذكر هذا الصباح صورة سبق لي أن التقطتها مع مسلحين بإحدى قرى ريف إدلب الحدودية في شتاء عام 2012.
أَريت الصورة لأبي محمد، فابتسم والخيبة على محياه الذي غطته لحية كثة بيضاء، رغم أنه لم يتجاوز الأربعين. ثم شرع في تعداد الحاضرين في الصورة:"هذا انضم لداعش وفجر نفسه داخل سيارة مفخخة. أخوه لم نعد نعرف أين ذهب، وهذا الشاب الصغير كبر الآن وتحول إلى مليونير بفضل التهريب. هذا عاد إلى حقله وابتعد عن القتال. هذا من عناصر جبهة النصرة النافذين، وهذا اكتشفنا أنه مدسوس من النظام فطردناه، وأخونا الذي هو أكبرهم سنا استشهد قبل شهور في مدينة جسر الشغور، إثر نزول صاروخ أطلقته عليهم طائرة حربية بُعَيْدَ تحرير المدينة".
يعيش أبو محمد منذ ثلاث سنوات ونصف السنة في مخيم للاجئين. كان مزارعا ويمارس تهريب رؤوس الماشية بين الفينة والأخرى من سورية إلى تركيا. حاليا هو بدون عمل، ولا يستطيع العودة إلى منزله الذي كانت قوات النظام تحتله قبل دحرها، أما الآن فهو يقول إن جبهة النصرة ستنتقم منه إن قرر تخطي السياج الذي يفصل تركيا عن قريته الجبلية.
دعوته لاحتساء كوب قهوة، فقبل، وبينما كنا نتمشى، مررنا بالسيارة التي يستقلها "القائد أبو الخمسمائة مقاتل" ورفيقه وسيدة مسنة. كانا يدسان بعناء آخر "شنطة" في حقيبة السيارة. ثم انطلقا باتجاه الشمال.
كتب\الإعلامي عبدالرحيم الفارسي.