اسرة الفقيد الميسري تستقبل واجب العزاء بعدن
استقبل محمد الميسري، رئيس قسم المشتريات بديوان وزارة العدل، اليوم واجب العزاء في وفاة والده نائب مدي...
تحت ظل نخلة كان شابان قد انتصفا في أداء صلاة العصر حين انبعث صوت أنثوي حاد وقوي. التفت باحثا عن مصدره، ظانا أنها سيدة من أقارب شاب كانت مجموعة من الرجال يحملون جثته إلى واحدة من بين عشرات من سيارات نقل الموتى المتوقفة قرب (مسجد الايمان) في مدينة نصر، شرقي القاهرة.
صمت الحاضرون فجأة، ارتفع صوت المرأة أكثر. كانت تهتف مخاطبة الحشد: "هي لله هي لله"، اقتربت منا دون ان تكف عن السير. هي سيدة سمراء سمينة، جسمها كان مغطى بالكامل بثوب أسود.
بدون سابق إنذار، ردد الحاضرون نفس الكلمات مع تلك الإمرأة. "هي لله، هي لله". شرح لي المصور المصري أن السيدة تريد ان تقول "لله الأمر في ما حصل لنا".
كان في محيط المسجد نحو ألفي متظاهر من أنصار الرئيس المعزول، ومن ذوي الكثير ممن قتلوا قبل يوم في ميداني رابعة العدوية ونهضة مصر.
المكان تنتشر فيه رائحة الجثث المتعفنة.
تتوقف قربنا شاحنة صغيرة تحمل كتلا من الثلج. بعد ذلك بقليل يهرع مجموعة من الرجال إلى سيارة وصلت للتو، ثم يشرعون في نقل أكفان نحو المسجد.
ينبعث الصراخ من جديد. عصبة من الشباب تحمل جثة جديدة نحو سيارة نقل موتى. نقترب من الجمع، يخرج لنا أحد أقارب القتيل بطاقة هوية الراحل. شاب في الثامنة عشرة من العمر. المهنة: طالب في كلية الزراعة. يصرخ القريب:"صوروا وانقلوا الحقيقة للعالم، أهذا إرهابي؟ شاب وديع في زهرة العمر يقتلونه، ويقولون انه إرهابي!!. داخل المسجد جثامين لأطفال لا تتجاوز أعمارهم الرابعة عشرة من العمر. سجل يا تاريخ ماذا فعل العسكر فينا".
تغلبني رائحة الجثمان الذي وضعت عليه قطع ثلج.
تقترب مني سيدة بصمت، رافعة سبابتها نحو السماء. تصيح :"اللهم تقبلهم شهداء عندك يا الله".
تخبرني زميلة من قناة CNN أنها شاهدت في الصباح أكثر من مائة جثة مسجاة في باحة المسجد، وأن بعضها متفحم بسبب النيران التي التهمتها.
اضطر للمغادرة مع دنو موعد فرض حظر التجول. ينبعث من المذياع داخل السيارة صوت مذيع محلي يدافع بشدة عن أعمال القتل التي حصلت في رابعة العدوية وميدان النهضة.
يترحم على العشرات من رجال الأمن والجيش الذين قتلوا في الاشتباكات والهجمات بمناطق مختلفة من مصر. يسرد هو وزميلته عشرات من الحوادث الدامية التي نفذها "الإخوان الإرهابيون".
ألتفت نحو السائق الذي ظل ملتزما الصمت. أطلب منه أن يتوقف بنا أمام أقرب مطعم. أتذكر أن آخر وجبة تناولتها كانت أمس في لندن. يجيبني دون أن تغادر عيناه عجلة القيادة: "عاوز سندويتشات فول وطعمية وكشري، ولا كباب أو مكدونالدز يا باشا".
"أنا قابل بأي حاجة يا عم".
مصر على صفيح ساخن.
كتب\الإعلامي عبدالرحيم الفارسي