اسرة الفقيد الميسري تستقبل واجب العزاء بعدن
استقبل محمد الميسري، رئيس قسم المشتريات بديوان وزارة العدل، اليوم واجب العزاء في وفاة والده نائب مدي...
أطبق المصور محمد كفه الأيمن على الكاميرا وانطلق مسرعا لا يلوي على شيء لحقت به وأنا لا أكاد أتبين أين نسير. صرخت بصوت عال "انبطح أرضا خلف أقرب شجرة زيتون".
لعنت في نفسي اللحظة التي أوقفنا السيارة في مكان مكشوف.
وكأن محمدا كان يقرأ أفكاري، فقد صرخ قائلا :"يا جماعة ما كان ينبغي لنا ترك تجميع أكثر من سيارة في مكان مكشوف في الخلاء كهذا".
كان نحو عشرة من الشباب المدججين بالأسلحة ينظرون إلينا بشيء من الاستغراب واللامبالاة.
-"يا إلهي، طائرة تقصف المكان الذي نوجد فيه، وهؤلاء لا يبالون!"، قلت في نفسي متعجبا.
هون (أبو يونس) من الموقف موضحا لنا أن الأمر لا يعدو أن يكون قذيفة مدفعية.
كان صوت القذيفة أشبه بطائرة حربية مرت فوقنا بسرعة فائقة، قبل أن تحدث التفجير المدوي على بعد حوالي ثلاثمائة متر.
عدنا لتصوير المقاتلين والحديث مع قائدهم، وما كدنا نفعل حتى تكرر الزعيق المفاجئ، متبوعا بدوي هائل، وفي نفس المكان تقريبا.
اكتفى أبو يونس بالإشارة إلى مكان سقوط القذيفة كما لو كان يتحدث عن حصاة سقطت هنالك.
أدركت أن الموقف خطير، فما كان مني إلا أن نزلت إلى أحد الكهوف القريبة.
علاقتي بالكهوف تعود إلى أيام الطفولة في سبعينيات القرن الماضي. في مسقط رأسي، مدينة تازة، شمال شرقي المغرب، كنت مهووسا بزيارة الكهوف التي تعمر جبال تلك المدينة الواقعة بين سلسلتي جبال الأطلس المتوسط والريف.
كنت دائما أشعر بتوقف الزمن داخل تلك المغارات التي لعبت الانفجارات البركانية ومعاول الانسان دورا في تشكيلها.
رائحة الأسلاف وأشباحهم كانت تلعب خيالي الصغير.
لكن مغارة اليوم لا علاقة لها بالطابع البدائي لكل الكهوف التي زرتها.
صالة مستطيلة مفروشة، ومكيفة، وجدرانها مطلية بالجير. سقفها مسطح، ما زالت بادية عليه نقوش معاول حفرته قبل حوالي عشرين قرنا أو يزيد.
بالداخل غرفتان أخريان حديثتا العهد بالحفر أو الترميم. إحداهما مؤثثة بأرائك وسجاد ومراوح لتغيير الهواء. مكان نموذجي لقضاء الشتاء والصيف، وللسخرية من القصف.
حين شرعت الولايات المتحدة في مطاردة حركة طالبان وتنظيم القاعدة في أفغانستان قبل اثني عشر عاما، كان زملائي في الصحف البريطانية والأمريكية يتحدثون، استنادا لتقارير البنتاغون والسي آي أيه، عن وجود مغارات عميقة في جبال تورا بورا، يمكن أن تسير فيها السيارات، وهي مزودة بغرف ومكاتب وأجهزة تكييف وخلافها.
لم أصدق ما كان يكتب. اعتبرته جزءا من الفنتازيا التي رافقت التهويل الإعلامي لقدرات تنظيم أسامة بن لادن.
ردت الولايات المتحدة والناتو على تلك المواقع بقصف رهيب مستخدمة ما يسمى بالقصف السجادي carpet bombing.
كانت طائرات البي 52 تقتلع جبال تورا بورا اقتلاعا بحملات قصف متتالية كأنما هي أسنان منشار تنخر القمم والسفوح نخرا.
خرج أسامة بن لادن من كل ذلك سالما معافى، هو وغالبية رفاقه.
نظر محمد المصور إلى السقف باحثا عن أي أثر لضربة هزت المغارة وأرضيتها هزا. طمأننا أحد القادة الميدانيين بأن طائرة مروحية ألقت ببرميل متفجر في مكان غير بعيد.
امتص الجبل وصخوره وقع التفجير، ولم تحدث أي خسائر.
"يا جبل ما يهزك ريح"، أدركت صدق عبارة التحدي التي ظل الزعيم الفلسطيني الراحل أبو عمار، يرددها كلما ضاقت به الأرض.
حدث هذا قبل أربعة أيام في ريف إدلب.
الحرب السورية مازالت مستمرة...
كتب\الإعلامي عبدالرحيم الفارسي