جينا وجايدا

لندن (عدن لنج)خاص:

يوم الأربعاء 29 مارس المنصرم اتفقت مع سيدة أعمال بريطانية على إجراء مقابلة بخصوص تفعيل تيريزا ماي للفصل الخمسين من معاهدة لشبونة.

 

سألتني السيدة أولا عن الساعة فقلت لها إنها الثانية بعد الظهر وست وثلاثون دقيقة. استوقفتني قليلا وقالت: اذن دعنا ننتظر ثلاث دقائق، لنقف دقيقة صمت ترحما على أرواح من قتلهم خالد مسعود قبل أسبوع هنا في وستمنستر.

 

وفعلا حين حلت تلك الدقيقة وقفت السيدة صامتة بينما القوم من حولها، وغالبيتهم العظمى أوروبيون، يسيرون ويتحدثون كأنهم لا يعلمون بالاتفاق على التوقف خلال تلك الدقيقة.

 

وقفت صامتا مع السيدة، وأنا أتأمل كفيها الأسمرين، وما ان انتهت الدقيقة حتى رفعت عيني في وجهها الذي تغلب عليه الملامح الهندية الممزوجة ببعض التقاسيم الشرق إفريقية.

 

تدعى هذه السيدة جينا ميلر Gina Miller، وقد اقتحمت الفضاء العام البريطاني حين قررت في خريف عام 2016 رفع دعوى على حكومة تيريزا ماي لحملها على إبطال نتائج الاستفتاء الذي فاز فيه معسكر الخروج من الاتحاد الأوروبي.

 

ولدت السيدة ميلر في غويانا البريطانية عام 1965، حين كان هذا الإقليم الموجود في الشمال الشرقي لأمريكا الجنوبية، تابعا للتاج البريطاني. وكان اسمها قبل الزواج هو جينا نديرة سينغ، ويبدو من اسم الوالد أنها ذات أصول منحدرة من شبه القارة الهندية.

 

أمس السبت كنت أستمع لخطب ألقاها قياديون في حركة (بريطانيا أولاً) اليمينية المتشددة، خلال مظاهرة نظموها احتجاجا على "الإرهاب الإسلامي" عقب هجوم وستمنستر. وقبل أن تتحدث نائبة رئيس هذه الحركة، قدمها أحد القياديين بالقول "إن هذه هي أفضل سيدة في بريطانيا، إنها مارين لوبين المملكة المتحدة". تعالت الهتافات والتصفيقات الحارة محتفية بجايدا فرانزن، "مارين لوبين البريطانية."

 

وما إن تناولت الكلمة حتى قالت إن البريطاني القح هو "من اعتنق ثقافتنا وتشرب تقاليدنا"، أما غيره فلا مرحبا به ولا سهلا.

 

تذكرت جينا ميلر حين وقفت صامتة وهي تترحم على ضحايا هجوم البرلمان، لم يلزمها أحد بذلك ولم يعرف بذلك سواي أنا الذي كنت أقف معها. وهي بالأساس تبقى سيدة مولودة في الخارج وتنتمي لعائلة أجنبية الأصول، وشقت طريقها نحو النجاح في الأعمال لتصبح المدافعة عن البلد الذي استضافها كما استضاف الملايين ممن اضطرتهم الظروف للهجرة إليه لأسباب مختلفة.

 

أما جايدا، فيبدو من أفكارها وتصرفاتها، التي تسببت لها في الحكم عليها بدفع غرامة قدرها 12 ألف جنيه استرليني في نوفمبر الماضي عقب اعتداءها في الشارع العام على فتاة مسلمة تضع على رأسها الحجاب، فإن الميزة الوحيدة التي تميزها عن تلك القادمة من غويانا هو أنها بيضاء البشرة من أصول أوروبية.

 

فمن الأكثر دفاعا عن قيم المملكة المتحدة، هل تلك التي تعمل وتدفع الضرائب وترسخ الحق في محاسبة الحكام وتقف صامتة مترحمة على ضحايا الإرهاب، أم أولئك الذين قلما نجدهم يعملون، بل رصيدهم الوحيد هو التباكي على تراجع "ثقافتهم" في زمن تقول فيه تيريزا ماي إنها ترغب في جعل بريطانيا "شريكا كونيا a global partner" بدل أن تبقى محصورة ضمن "الشراكة الأوروبية".

(الصورتان:

 

 

 

الأولى لجينا ميلر يحيط بها سياسيون ، والثانية لجايدا فرانزن يحرسها عناصر غلاظ شداد من حركتها)

 

 

 

الإعلامي\عبدالرحيم الفارسي.