آه كم انت جبار

لندن (عدن لنج)خاص:

في بريطانيا يمسك حزب الديمقراطيين الوحدويين الأيرلندي الشمالي الصغير حاليا بتوازن حكومة تيريزا ماي، ويستطيع أن يطردها من الحكم إن شاء، رغم أن عدد مقاعده في مجلس العموم لا يتجاوز العشرة، بينما لدى المحافظين 318 نائبا.

 

وقد دفعت له ماي مقابل ضمان مساندته لها في البرلمان البريطاني، مليارا ونصف المليار من الجنيهات الاسترلينية على شكل استثمارات إضافية من حكومة لندن في البنى التحتية والخدمات الاجتماعية بإقليم أيرلندا الشمالية غير المستقر.

 

 

وربما حين يقضي الديمقراطيون الوحدوييون وطرهم من تيريزا ماي، قد ينسحبون ليتركوا حكومتها تهوي.

 

 

قبل أكثر من عشرين عاما كان وفد حكومي بإحدى الدول العربية مسافرا في قافلة من السيارات، وكان على متن إحداها وزير عرف عنه أنه لا يقبل أبدا أن ينتظر أحدا ... طبعا من مرؤوسيه ومن المواطنين.

 

فجأة توقفت سيارته في منطقة خلاء تحت شمس حارقة، فاضطرت السيارات الأخرى إلى التوقف لمعرفة ما يجري. استشاط "الذي لا ينتظر" غضبا وصرخ في وجه السائق والمساعدين، لكن لم يجد بدا من انتظار البحث عن العطب الميكانيكي أو امتطاء سيارة "لا تليق بسيادته".

 

اضطرته أنفته الزائفة إلى الانتظار قليلا تحت الأشعة التي لوحت بشرة وجهه الذابلة، حتى سمعه أحد المعاونين يتأوه كالطفل "يا ماما تكاد الشمس تقتلني". ولأنه لم يستطع الصمود فقد عاد إلى مقعده الخلفي الوثير، لكن جهاز تكييف السيارة كان متوقفا، فرآه المرؤوسون لأول مرة يتصبب عرقا وأنفاسه تكاد تنقطع تحت كتل الشحم التي أحاطت برقبته السمينة.

انتظر الجميع قرابة الساعة والنصف من الزمن إلى أن أصلح السائق العطل، فتحركت القافلة وتنفس صاحبنا الصعداء من هواء المكيف اللطيف.

 

أثناء المسير سرى بين أفراد الموكب خبر مفاده أن سبب العطل الميكانيكي يكمن في قطعة من الفولاذ لا يتجاوز حجمها المسمار الصغير.

 

غالبيتهم لم يعرفوا ما هي هذه القطعة، لكن ما عرفوه في ذلك اليوم هو أنها أوقفت الوزير الذي "لم يكن يحب الانتظار"، وجعلته يتوجع كالطفل الصغير مستغيثا بأمه.

 

بعد توقف القافلة للاستراحة قليلا في إحدى المحطات، صاح أحد الخبثاء متلذذا امام أشخاص معروف عنهم تبليغ الشاذة والفاذة ساخنة إلى "معالي" الوزير: آه كم أنت جبار قاهر أيها المسمار الصغير.

 

(في الصورة سيدة تحتج على سياسة خفض الحكومة البريطانية أعداد موظفي جهاز مكافحة الحرائق أثناء مظاهرة نظمتها المعارضة أمس السبت في لندن ضد سياسة (التقشف) 

كتب\عبدالرحيم الفارسي.