تحركات دبلوماسية لحل الأزمة.. والدوحة إلى عزلة طويلة

عدن لنج - وكالات :

بعد مرور شهرين على إعلان الدول الداعية لمكافحة الإرهاب قطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، ما زالت الدوحة تواصل تعنتها برفضها الاستجابة لـ13 مطلباً تقطع صلتها بالإرهاب وترفض الحوار، وتمضي في طريق يبعدها أكثر فأكثر عن محيطها الخليجي.

وعرقلت قطر خلال الشهرين الماضيين جهود الوساطة الكويتية، وحاولت تدويل الأزمة عبر "طلب حماية" الغرب، وترويج كذبة "الحصار"، والارتماء في أحضان ملالي إيران، حيث أرسلت مؤخراً وزير الاقتصاد والتجارة أحمد بن جاسم آل ثاني لحضور مراسم تنصيب حسن روحاني لمدة رئاسية جديدة.

ولم تجد الدوحة حرجاً في محاولة تسييس فريضة الحج، ومنع مواطنيها من تأديتها، أو حتى تقديم طلب لتدويل الحرمين، إلا أن محاولتها باءت بالفشل، إذ لم تجد آذاناً صاغية بل انقلب السحر على الساحر وعادت عليها بإدانة عربية وإسلامية، وفقاً لمراقبين.

تحركات دبلوماسية
وفي محاولة لحل الأزمة، تسلم ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، رسالة خطية للملك سلمان بن عبدالعزيز، من أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح.

والتقى زير الخارجية الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد الصباح ووزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء الكويتي الشيخ محمد العبدالله، بعد تسليم الرسالة، وزير الخارجية السعودي عادل الجبير.

كما استكمل الوفد الكويتي جولته في مصر، والتقى بالرئيس السيسي بشأن الأزمة القطرية ودور الوساطة الكويتية، في إطار جولة في المنطقة تشمل أيضاً الإمارات وسلطنة عمان والبحرين.

ومن المقرر أن يجتمع الخالد والعبدالله في دبي، مع نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وفي مسقط مع الممثل الخاص لسلطان عمان نائب رئيس مجلس الوزراء لشؤون العلاقات والتعاون الدولي السيد أسعد بن طارق آل سعيد، وفي المنامة مع العاهل البحريني الملك حمد بن عيسى آل خليفة.

وبالتزامن مع ذلك يصل مبعوثان أمريكيان الكويت، قبل شروعهما في جولة على الدول الأربع المقاطعة لقطر، ويضم الوفد الأمريكي الجنرال المتقاعد أنتوني زيني، ونائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي تيموثي ليندر كينغ، وسينتقل الموفدان بعد زيارة السعودية والإمارات والبحرين ومصر إلى قطر.

وكان وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون أعلن عن مهمة زيني وليندر كينغ الأسبوع الماضي.

وتمخضت زيارة تيلرسون إلى الخليج في يوليو (تموز) عن اتفاق أمريكي قطري بشأن مكافحة تمويل الإرهاب دون أن تسفر عن انفراجة كبيرة في الخلاف.

وفي السياق، أوضح وزير الخارجية الجزائري عبدالقادر مساهل أن بلاده تؤيد المساعي الكويتية لإيجاد حل للأزمة القطرية، مبدياً تفاؤله بجهود الوساطة الكويتية.

وحاولت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وتركيا، التوسط لإنهاء الأزمة القطرية، إلا أن التعنت القطري أغلق الأبواب في وجهة أي محاولة لزحزحة الأزمة، مما يقرب الدوحة للعزلة عن محيطها.

ورفضت قطر العرض المشروط الذي قدمته الدول الأربع المقاطعة لها من أجل التراجع عن قرار المقاطعة.

أضرار اقتصادية
رغم المكابرة القطرية، كان للقطيعة الأثر البالغ على اقتصاد الدوحة، في ظل العجز الذي أعقب توقف التجارة البرية عبر منفذها الوحيد، وتقويض الحركة الجوية والبحرية.

فاقمت مشكلات الاقتصاد القطري إلى درجات كبيرة، وكشفت وكالة بلومبيرغ تعرض الودائع الأجنبية في المصارف القطرية لمزيد من التراجع، بعد أن وصلت في يونيو (حزيران) الماضي إلى أدنى مستوياتها في عامين.

وبحسب ما أوردته وكالة بلومبيرغ، تعتزم عدد من البنوك الخليجية سحب ودائعها في المصارف القطرية لدى استحقاقها.

وكانت المصارف الخليجية أودعت الأموال لدى المصارف القطرية قبل إعلان الدول الأربع قطع علاقاتها الدبلوماسية مع الدوحة، باعتبار سعر الفائدة بين المصارف القطرية سجل أعلى مستوى في الخليج.

وتمثل الودائع الأجنبية لدى البنوك القطرية 22% من إجمالي الودائع، التي تراجعت بـ7.5% إلى 47 مليار دولار في يونيو (حزيران) مقارنة مع الشهر الذي سبقه.

وكانت وكالة بلومبيرغ ذكرت الشهر الماضي أن بعض البنوك الإماراتية والسعودية والبحرينية بدأت تخفيض انكشافها على البنوك القطرية، إذ تقوم بسحب ودائعها هناك، كما أوقفت التعامل بالريال القطري أو شراء السندات.

وأشارت بيانات مصرف قطر المركزي إلى أن صافي احتياطي النقد الأجنبي تراجع بأكثر 10 مليارات دولار في حزيران (يونيو) فقط، هذا إلى جانب مخاوف باتت تحيط بتنظيم مونديال قطر وسط اتهامات بالرشى، فضلاً عن محاولات لتسييس الرياضة أحاطت بصفقة انتقال اللاعب البرازيلي نيمار دا سيلفا إلى نادي باريس سان جيرمان المملوك لقطر.

الواردات الاستهلاكية
استغلت كل من أنقرة وطهران الأزمة التي تمر بها الدوحة بتوريد منتجاتهما الغذائية إلى الداخل القطري عبر طائرات الشحن، بتكلفة أعلى مما كانت توفرها السعودية.

وكانت الرياض توفر وبشكل عملي ما يقرب من 90% من السلع الاستهلاكية ذات الجودة العالية للدوحة عبر الحدود البرية، التي تم غلقها وفقاً للإجراءات المترتبة على المقاطعة.

ومع دخول أزمة قطع العلاقات مع قطر شهرها الثالث، تظهر البيانات الرسمية القطرية حجم الثمن الذي تدفعه الدوحة لاستمرارها في مسار المواجهة مع جيرانها، إذ أظهرت بيانات رسمية قطرية حجم التداعيات التي تركتها المقاطعة على حركة التجارة الخارجية في يونيو (حزيران) الماضي، لا سيما الواردات التي انخفضت بنحو 40% عما كانت عليه قبل عام، وبنحو 38% عن الشهر السابق.

وعلى الرغم من أن انخفاض الواردات ينظر إليه بإيجابية إذا كان بنسبٍ معقولة، إلا أن الانخفاض الهائل للواردات القطرية يعد مؤشراً على اضطراب حركة التجارة أكثر من أي شيء آخر.

وأدى إغلاق الحدود السعودية التي كانت معبراً لمعظم واردات قطر من الغذاء ومنتجات الألبان ومواد البناء، فضلاً عن توقف خدمات الشحن من الإمارات، إلى تأخر الشحنات لبضعة أيام إلى أن قامت الدوحة بترتيب مسارات بديلة.

وتراجعت الصادرات القطرية باستثناء الغاز، لاسيما الصادرات البترولية التي انخفضت بنسبة 22%. كما تراجعت الصادرات غير البترولية بنسبة 15%، وتضررت صادرات الهليوم الذي كان يصدر براً عبر الحدود السعودية.

وعلى الرغم من اعتماد قطر على إيران وتركيا لتعويض خطوط إمداد المواد الغذائية والتموينية، إلا أن ثمن ذلك كان ارتفاع أسعار الغذاء في يونيو بأسرع وتيرة في عامين، بنسبة 2.4% مقارنة بشهر يونيو العام الماضي، و2.5% مقارنة بمايو (أيار) السابق.

هل تتحول قطر لدولة معزولة؟
ومع عدم وجود مؤشرات على إمكانية عودة قطر إلى محيطها الخليجي، ومع استمرار تعنتها ومكابرتها، تتجه قطر نحو عزلة عن محيطها مع تقربها مع إيران.

وأكد وزير خارجية البحرين الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة، أن الإجراءات المتخذة تجاه قطر تهدف إلى حماية الدول الأربع، مؤكداً أنها "لن نتعدى على سيادة وحدود وشعب قطر".

ودعا الدوحة إلى أن تتجاوب مع إخوانها وأشقائها، معتبراً أنه كان عليها من اليوم الأول أن تتوجه للرياض وتبدأ مسألة إحقاق الحق وعودة الأمور لنصابها.

وأضاف "نحن نقول للدوحة عليك تعهدات تم التوقيع عليها في الرياض 2013 و2014، نريد فقط الالتزام والعودة إلى هذه الاتفاقات بكل الضمانات".

وتابع "لسنا ضد مسألة مبدأ الحوار بل جاهزون إن فهمنا من قطر أنها ستنفذ المطالب العادلة المبنية على المبادئ الستة لاجتماع القاهرة".

إلا أن التعنت القطري ما زال سيد الموقف، ويرى مراقبون أن قطر تقف أمام طريقين، الأول القبول بمطالب الدول الداعية لمكافحة الإرهاب، وقطع جميع علاقتها بالتنظيمات المتطرفة ووقف التدخل في شؤون الدول الأخرى والعود إلى محيطها الخليجي والعربي، أو استمرار عزلتها وتحولها إلى دولة معزولة على غرار كوريا الشمالية أو إيران.