ميركل.. أم المهاجرين

(عدن لنج)متابعات:

على الرغم من موجة الانتقادات العنيفة التي واجهتها في السنوات الأخيرة داخل ألمانيا وخارجها، تمكنت المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، من الحفاظ بيدها على زمام الأمور في بلادها.

مع تقدم التحالف المسيحي بزعامة ميركل في الانتخابات البرلمانية التي جرت اليوم في ألمانيا تتحول آفاق توليها منصب المستشارة الألمانية للفترة الرابعة على التوالي إلى أمر شبه واقع، وذلك في انتصار مهم تؤكد قدرتها على التعامل مع كل التحديات التي تهدد موقفها السياسي.

بفوزها هذا في السباق الانتخابي أثبتت ميركل أن تصدرها قائمة "فوربس" لأكثر النساء نفوذا في العالم 11 مرة، بما في ذلك خلال السنوات الـ7 الأخيرة دون انقطاع، ليس ناجما عن سلسلة مصادفات، بل يعد نتيجة لإنجازاتها في الحياة السياسية الدولية، إذ لم يعرف مواطنو البلد الأوروبي الأقوى اقتصاديا غيرها في الحكم منذ العام 2005، حينما أصبحت ميركل أول امرأة تولت منصب مستشار ألمانيا.

ولدت ميركل عام 1954 بمدينة هامبورغ  في عائلة القس البروتستانتي من الأصول البولندية، خورست كاسنر، التي انتقلت بعد عدة أشهر إلى ألمانيا الديمقراطية الشيوعية، التي نشأت فيها المستشارة المستقبلية.  

وعملت أنغيلا ميركل نادلة في حانة بينما كانت تدرس الفيزياء في مدينة تيمبلين بألمانيا الشرقية، وانتقلت فيما بعد للعيش في برلين، وكانت في طفولتها الطالبة الأولى على مدرستها، وكانت ترغب في أن تصبح معلمة، لكن هذا الحلم تبدد بعدما اعتبرت الحكومة الشيوعية أسرتها مشتبها بها، لذلك فقد درست الفيزياء ومارست عملا لبعض الوقت في حانة.

ميركل، التي بدأت مسيرتها الاحترافية في مجال العلوم وحصلت على شهادة الدكتورا في الفيزياء عام 1986، لم تنخرط في الحياة السياسية إلا بعد سقوط جدار برلين عام 1989، حيث التحقت في هذه الفترة بحزب "الصحوة الديمقراطية" وتولت منصب مساعدة في مكتب رئيسه، فولفغانغ شنور، لتنضم بعد مرور عام إلى حزب "الاتحاد الديمقراطي المسيحي"، الذي تزعمه آنذاك المستشار الألماني هلموت كول، وذلك قبل شهرين من توحيد ألمانيا.

وتمكنت ميركل في أواخر العام ذاته من الفوز في الانتخابات النيابية عنن إحدى دوائر ألمانيا الجنوبية، وهي اللحظة التي بدأ منها ارتقاؤها الاحترافي الخاطف، ففي عهد المستشار السابق كول تولت ميركل عام 1994 حقيبة وزارة البيئة والسلامة النووية، وهو منصب يتلاءم جيدا مع الدكتورة في الفيزياء، وبعد خسارة كول في الانتخابات البرلمانية عام 1998، رأت أنغيلا ميركل في ذلك فرصة لتعزيز مركزها في حقبة ما بعده.

وانتخبت السياسية الألمانية في أبريل/نيسان عام 2000 رئيسة جديدة للحزب الديمقراطي المسيحي، كما تم تقديمها في الانتخابات البرلمانية لعام 2005 كمرشحة لمنصب المستشارية ونجحت في ذلك بعد تشكيلها لتحالف كبير مع "الحزب الديمقراطي الاشتراكي".

عام 2009 انتخبت ميركل لولاية ثانية، لكن التحالف الذي شكلته مع "الحزب الديمقراطي الحر" القريب من عالم الأعمال، وهو شريك طبيعي لها، أثار لها بعض المشاكل، ولذلك بعد انتخابها لولاية ثالثة عام 2013 عادت للتحالف مع "الحزب الاشتراكي الديمقراطي".

مع سنوات الحكم التي تولتها، والتي هي الأطول بين غالبية قادة العالم النافذين، قد تكون ميركل أول زعيمة ألمانية عالمية.

ميركل واجهت اكبر تحدٍ لها كمستشارة مع تدفق المهاجرين واللاجئين بأعداد كبيرة إلى أوروبا، ومع فتح حدود ألمانيا لأكثر من 800 الف مهاجر، مع قولها عبارة "سنتدبر الأمر" عام 2015، أشاد بها المجتمع الدولي، لكن الانتقادات طالتها في عقر دارها، وهذا الأمر أدى لتقوية الشعبويين واليمين المتطرف، وقد فاز "البديل من أجل ألمانيا" الشعبوي بأولى مقاعده في البرلمان مع سياسته المعادية للهجرة والإسلام، إلا أنه حتى هذا التغير في الحياة السياسية الألمانية لم يجعل ميركل مهددة بفقدان منصب المستشارية.

وأظهرت ميركل دبلوماسيتها وحنكتها في إدارة الأزمات بعد أن طفت على السطح فضيحة تجسس وكالة الأمن القومي الأمريكية على ألمانيا، حين احتجت المستشارة الألمانية على ذلك وأكدت أن التنصت غير مسموح به أبدا بين الأصدقاء، وأن الحرب الباردة قد انتهت.

وتظهر المستشارة الألمانية، كقائد فذ للاتحاد الأوروبي، خاصة عندما تمسكت بموقفها وأكدت صلابة الخيار الأوروبي، فمنذ 2008 وهي تدير الأزمة اليونانية وتحاول إنقاذ منطقة اليورو، وشددت على أن السياسة الألمانية تهدف إلى بقاء اليونان في منطقة اليورو، مشيرة حينها إلى أن المبادئ الراسخة تعتمد على الجهود الذاتية من جهة وعلى التضامن من جهة أخرى.

جدير بالذكر أن سياسة ميركل يطلق عليها "الميركيلية" نسبة إلى اسمها، كونها تلتزم الصمت في البداية وبعد ذلك تعبر عن غضبها بوضوح، وهو أمر لاقى انتقادا واسعا، حيث عبر العديد من الساسة والمؤرخين بأن ميركل تخفف من حدة كل القضايا الخلافية.