متطفلو السياسة

السياسة وما أدراك ما السياسة ، فلعل قول الحقيقة أولاً يدعوني لأن أعترف بأني لست من أهل السياسة ولا أفقه شيئاً فيها ولكني أرى وفي الآونة الأخيرة من أن سواداً تلطخت به صفحات الصحف والمجلات وركاماً من الكلمات ضاقت به مواقع التواصل الاجتماعي وألسنة تعالى صراخها في المقاهي والمنتديات وجلسات القات وعقولاً شاخت قبل أوانها فازداد هذيانها وظن أصحابها إنهم محترفو سياسة وأنهم خير من يجيد العمل في هذا الشأن ويتقنه وغيرهم لا يفقهون شيئاً ودخلاء على العمل السياسي والدبلوماسي ، غريب هذا الأمر فليس كل من قرأ كتاباً أو كتب مقالاً أو أدلى بتصريح هنا وآخر هناك أو طل من شاشة فضائية ولاك بضع كليمات امتدح بها هذا وذم فيها ذاك فهو سياسي أو عد نفسه من كبار الساسة ، ومع أن السياسة ليست حكراً على أحد فمن أجادها وأتقنها فله كل الحق في ممارستها إلا إن للسياسة رجالها يعرفون دهاليزها ويدركون فنونها فهي ( فن الممكن )  كما يقول الساسة ، وكلمة فن لها مقاصدها ومدلولاتها ولا نستطيع الإيفاء بمكنونها في هذه العجالة وليس بالإمكان للعامة إدراك ذلك ، والعبارة بحد ذاتها تعني فيما تعني إدراك الواقع وقراءته وفك شفرته وكيفية التعامل مع الممكن وحُسن استغلال المعطيات المتاحة وتوضيبها للوصول إلى الهدف المراد مع توقع الإخفاقات ولو حتى في حدها الأدنى لا أن نظل حبيسي فكر جامد ربما تجاوز الواقع فساقنا للأسف إلى الولوج في دائرة مغلقة ندور فيها حول أنفسنا لا حول لنا ولا قوة سوى إنتاج الصراع تلو الصراع حتى وصلنا إلى انسداد سياسي فأصبحنا وبالاً على أنفسنا وعلى القضية نفسها فأكدنا المقولة المشهورة ( محلك سر ) وبرهنا للآخرين أننا دون مستوى العمل السياسي والدبلوماسي بل دون مستوى القضية نفسها بالرغم من كل التضحيات .
نعم نجحنا في إيصال القضية للعامة ومكّنا الشارع الجنوبي من العمل الميداني وضربنا مثالاً رائعاً للنضال السلمي في ذروة القمع البوليسي للمحتل اليمني ، الشئ الذي وضع قضيتنا على أعتاب أبواب صنّاع القرار الدولي ولكننا للأسف لم نستطع حينها رفدها بعمل سياسي ودبلوماسي موحّد ، المأزق الذي وقعت فيه مكوّنات وفصائل الثورة الجنوبية وربما مقاومتها مما يدل على أننا لم نزل بحاجة إلى قراءة دقيقة فاحصة لتاريخ الثورات والعمل السياسي والدبلوماسي الذي افتقدناه أصلاً طيلة مرحلة النضال السلمي وأفضى بنا إلى ما نحن فيه اليوم ومع هذا ظهر اليوم متطفلو السياسة بعد أن دخلت قضيتنا مرحلة بدأ فيها العمل السياسي والدبلوماسي يغزو ميدان السياسة العالمية .
ربما يقول قائل أن الوضع الذي فُرض علينا وخلق معطيات جديدة على أرض الواقع سيقودنا للخضوع والاستسلام ويفرض علينا واقعاً وحلولاً ربما لم تكن على المقاس ، نعم هذه الفرضيات واردة في حالة تجّمد العقل الجنوبي وكابر وساءت لا سمح الله حساباته ودخل في دوامة الصراعات الهامشية وخلق لنفسه أكثر من مهمة ولم يستطع ويتمكن من حُسن استغلال تلك المعطيات ويسيّرها إلى واقع يخدم قضيتنا وصالح الجنوب ويخلق من ( الممكن ) عاملاً يساعد إلى الوصول إلى الهدف المراد هدف الإرادة الشعبية الجنوبية ، فمن أدبيات السياسة لا صداقة دائمة ولا عدواً ثابت فأينما تكمن المصلحة أضع قوتي ، هذه قاعدة يعمل تحتها كبار الساسة والدبلوماسيين في العالم فلا داعي لإعادة إنتاج الماضي ، فالضامن لنجاحنا وتحقيق هدفنا نحن أنفسنا إذا اتحدنا وقدرنا أن نصنع من هذا الواقع الذي نعيشه سلاحاً يرفع رايتنا ويقوي شوكتنا ويجعل منا رقماً صعب التجاوز حينها نستطيع تحقيق الهدف .

مقالات الكاتب