هل تنتحر الإنسانية في وادي السيليكون؟

عدن لنج_حميد زناز

لايزال كثيرون يعتبرون حتى الآن أن مشروع العبر-إنسانية أو الـ”ترونزومانزم” الهادف إلى تحسين الإنسان والقضاء على المرض والشيخوخة مجرد طوباوية حالمة رغم تقدم العلوم المذهل القمين بتحويل ذلك الحلم إلى واقع. وآخرون كثّر أيضا ينددون بخطر هذه الثورة الثالثة، الداهم، التي قد تقضي على الإنسانية الحالية واستبدالها بأخرى، هي “ما بعد الإنسانية”.

وفعلا يرى كثير من العبر-إنسانيين أن ذلك أمر لا ريب فيه وعلى رأسهم الفرنسي صاحب كتاب “موت الموت” لوران ألكسندر الذي يتنبأ بأنه في حدود 2100 أو 2200 سيكون الكثير من الأفراد معدلين جينيا ومحسنين بطرق عديدة.

وفي نهاية الأمر سيصبح الإنسان كائنا آخر غير الذي عهدناه إلى الآن إذ سيكون “ما بعد الإنسان” هذا مجهزا بذكاء اصطناعي ذي قدرة خارقة تسمح له بربط دماغه في عالم افتراضي مفرط في واقعيته، عالم من اختياره. ولا يمل الفرنسي الذي يريد أن يموت الموت من الحديث عن ذلك الجسم ما بعد الإنساني الذي لا يمسه المرض ولا تتدهور حالته مع الأيام. جسد وذهن لن يعرفا التعب أبدا. وكل هذا يسمح بحفاظ الفرد على حيويته ونشاطه وشبابه إلى أطول فترة ممكنة كي لا نقول إلى الأبد.

يذهب البعض حتى إلى القول إن هذا التغيير الممارس على الإنسان هو ربما الشرط الوحيد لإنقاذه وضمان بقائه واستمرار نوعه. وبعضهم يعتبر أن “الما بعد إنسانية” ستكون وريثة فلسفة الأنوار التي ستعوض الإنسانوية أو الـ”هومانيزم”.


ولكن الإنسانوية هي التعبير عن كرامة وقيمة كل الأفراد، يقول المفكر الفرنسي جوال روزني، وعلى هذا الأساس لا يمكننا سوى أن نكون مرتابين في أن تكون الما بعد-إنسانية إنسانوية إذ تبدو أكثر كسيرورة نخبوية أنانية ونرجسية. وعلى العكس، لا ينبغي أن يركز المستقبل على الفرد بل على ازدهاره في الحياة الجماعية.

فهل يتجه إنسان القرن الحادي والعشرين نحو انتهاك حرمة الطبيعة البشرية كما يعتقد الذين يؤمنون بوجود تلك الطبيعة؟

يجيب الفيلسوف بيار دارو بالسلب إذ لا مجال للخوف من الاستعانة بكل الوسائل التكنولوجية لتحسين الجسد وإصلاحه والإضافة إليه. وبفضل تقدم العلوم والتقنيات ستصبح سطوة الإنسان على الطبيعة لا حدود لها. وهي سطوة بإمكانها أن تغير الإنسان بانتشاله من الحدود التي يتخبط فيها منذ وجوده على سطح الأرض، كالفشل والمرض والألم والموت. وحتى سوء الحظ الوراثي يمكن تصحيحه عن طريق التدخل في الجينات وتعديلها وهو ما تلخصه العبارة العبر-إنسانية الشهيرة “من الحظ إلى الاختيار”.

ولكن يحذّر الباحث الأميركي جورج آناس أنه من الممكن اندلاع العنف بين غير المعدلين من البشر والما بعد-إنسانيين مستقبلا. ويتخوف من حدوث “إبادة جينية” ويرى في “الما بعد-إنسانية” سلاح دمار شامل.

ولذلك يعتبر جورج آناس وغيره من المفكرين أنه من الواجب اعتبار استنساخ البشر وكل التعديلات الجينية والوراثية “جريمة ضد الإنسانية” وهو السبيل الوحيد الذي يضمن تجنب احتمال ظهور كائنات ما بعد-إنسانية من المحتمل أن تحتقر الإنسانية الأولى وتعتبرها أقل شأنا وقد تقضي عليها نهائيا. وحتما سيعتبر النوع الجديد النوع القديم ككائنات متوحشة قابلة للعبودية. كما ينظر الآخرون إلى المعدلين على أنهم تهديد لهم ويشنون عليهم حروبا استباقية اتقاء لشر قد يأتي منهم.

وما يشغل بال الفيلسوف الأميركي فرنسيس فوكوياما كثيرا خوفه من أن هذا النوع الجديد من الأشخاص المحسنين سيكون سببا في هدم الشرط الأساسي في الديمقراطية الليبرالية، ألا وهو مبدأ المساواة والكرامة إذ قد يشكل هؤلاء المحسنون طبقة تعتبر نفسها أنبل وأذكى وأقوى من الجميع.

وفي كل الحالات يظل احتمال ظهور البيو-إرهاب والإبادة الجماعية واردا والمهندس الجيني متهما.