خلاف #فرنسا و#إيطاليا حول دافنشي.. معلن الفن ومضمر السياسة

عدن لنج_لندن

 إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن فرنسا تعتزمُ الاحتفال مع إيطاليا بالذكرى الـ500 لوفاة الرسام ليوناردو دافنشي، لم يمثل فقط محاولة لإبداء سعي مشترك نحو تجاوز الخلافات التي كانت سياسية صرفة، بل هاجرت القضية صوبَ مساحات أخرى لم تقتصر على الأبعاد السياسية العالقة بين الجارين.

تحولت القضية إلى سجال ثقافي وفني وتاريخي بين البلدين. وفي السجال استدعاء متعمد للتاريخ؛ تاريخ الرسام الذي زوّد الإنسانية بأعمال مازالت في صدارة اهتمامات النقاد والدارسين وعشاق الرسم.

في الخلاف الفرنسي الإيطالي حول أحقية الاحتفال بذكرى وفاته، معلن فني وتاريخي ومضمر سياسي غائر. في المعلن التاريخي اتكاء على أدوات وحجج تاريخية يستعملها كل طرف ليحاجج بها لإثبات أحقيته في “نسب” دافنشي.

باريس تعتبر أن الرسام الإيطالي عاش وتوفي في فرنسا، حيث قضى سنوات عمره الأخيرة في بلاط ملك فرنسا فرنسوا الأول، ومنها استلهم الكثير من مواده الفنية والتعبيرية. جان دو لويزي مدير مدرسة الفنون الجميلة في فرنسا اعتبر أن “هناك شغفا عالميا بالتاريخ، ولا يمكن اختزال أحد أكبر الفنانين في العالم بناء على رؤى سياسية.

أعمال ليوناردو هي أعمال عالمية لا تخص إيطاليا أو فرنسا فقط”. وباسكال بريويست مؤرخ عصر النهضة والخبير في حياة ليوناردو ولوحاته، أكد أنّ علاقة الفنان بفرنسا بدأت في بداية مسيرته الفنية بين رعاة وبيئة جغرافية متغيرة كانت مختلفة للغاية عن اليوم. وقال “من الخطأ تخيُّل أنَّ دافنشي كان وطنيا بالمعنى الحديث للمصطلح لأن الوطنية الحديثة لم تكن موجودة بعد”.

الإيطاليون رابطوا في مواقع بدت لهم أكثر صلابة، حيث اتهمت نائبة وزير الثقافة الإيطالي لوشيا بورغونزوني فرنسا بمحاولة الهيمنة على احتفالات ليوناردو وتهميش إيطاليا في حدث ثقافي كبير، قائلة “ليوناردو إيطالي وكل ما هنالك أنه مات في فرنسا فقط”.

وبصرف النظر عن التصور القائل إن دافنشي أقحم إقحاما في الأخاديد الغائرة بين البلدين، إلا أن الخلاف حوله طرح أيضا مسألة “جنسية الفنان” ووطنه. ودافنشي ولن يكون المثال الأخير في هذا الباب. تخاصمت شعوب كثيرة حول شاعر أو فنان أو عالم أو عبقري، ولعل الخلاف يعلو منسوبه حيث يتأصل في زمن لم تكن فيه الحدود السياسية بالوضوح الذي تعرفه اليوم. مثّل الفيلسوف جلال الدين الرومي أزمة ظللت سماء إيران وتركيا وأفغانستان، التي تخاصمت حول “نسب” الشاعر الصوفي الذي ألهم بأشعاره العالم العربي الإسلامي.

في التأكيد على جنسية الفنان، جوانب مشروعة إذا اعتبرنا كون  دافنشي، على سبيل المثال، يمثل لوحده مفصلا مهما من التراث الرمزي الذي تفاخر به إيطاليا، وهو ما يضفي جانبا من التفهم والمشروعية على الإصرار على إيطالية دافنشي. في المقابل فإن ليوناردو دافنشي، كغيره من الفنانين العالميين، هو معلم إنساني طبع الفن بطابعه الخاص.