أثارت زيارة السفير الأميركي في اليمن كريستوفر هنزل إلى محافظة المهرة (أقصى شرق اليمن) مخاوف تيار الدوحة في الحكومة اليمنية، وبعض القوى المرتبطة بالمشروع الإيراني، نتيجةً للرسالة التي قد يبعثها مثل هذا الموقف الأميركي إلى الجهات التي تقف خلف النشاط المتزايد لتركيا وإيران في اليمن.
وتأتي زيارة السفير الأميركي إلى المهرة مع تعثر الإعلان عن الحكومة اليمنية وفق اتفاق الرياض، والذي كان مزمعا الأسبوع الماضي، نتيجة إصرار حزب الإصلاح والتيار القطري في “الشرعية” على منح وزراء ينتمون إلى تيار التأزيم حقائب سيادية مثل الداخلية والخارجية والدفاع والمالية، حيث تم ترشيح وزراء موالين للإخوان وتيار قطر لتولّي مناصب هذه الوزارات، وهو ما رفضته السعودية.
وتناولت وسائل إعلام إخوانية مدعومة من الدوحة وأخرى إيرانية، من بينها قناة “العالم”، موضوع الزيارة المفاجئة التي قام بها السفير الأميركي بوصفها انتهاكا للسيادة اليمنية.
وعلّق وكيل محافظة المهرة وأحد المشاركين في الحراك المعادي للتحالف العربي في المحافظة، بدر كلشات الذي ينتمي إلى حزب الإصلاح، على الزيارة في تغريدة على تويتر قال فيها “في يومنا هذا يزور السفير الأميركي لدى اليمن القوات الأميركية والبريطانية المتواجدة في مطار الغيضة بالمهرة، هم يحكمون ونحن نصفق ونحتفل بأعياد الاستقلال”.
واعتبرت مصادر سياسية مطلعة أن قلق الحراك المعادي للتحالف العربي يعود إلى الخشية من تبني واشنطن والمجتمع الدولي لرواية التحالف العربي حول استخدام إيران وتيار قطر المحافظة كممر لتهريب الأسلحة إلى الميليشيات الحوثية، بما في ذلك تلك المستخدمة في تطوير الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة التي تستهدف مصادر الطاقة وطريق الملاحة البحرية في البحر الأحمر.
وتشكل المهرة مركزا متقدما للنشاط القطري والإيراني والتركي في اليمن، حيث نشط أحد فصائل الحراك الجنوبي المدعوم من إيران بقيادة حسن باعوم، وتزدهر فيها عمليات تهريب السلاح إلى الحوثي، إضافة إلى تزايد أنشطة تجنيد مسلحين، بتمويل قطري وإشراف قيادات من أبناء المهرة على رأسها وكيل المحافظة السابق علي سالم الحريزي الذي يقود الأنشطة المعادية للتحالف في المهرة.
ويعد تواجد الحكومة الشرعية رمزيا في المهرة، فيما ينحصر تواجد قوات التحالف في بعض المنافذ الخاصة بتهريب السلاح، غير أنها تتعرض بشكل مستمر لمحاولات استفزاز ممنهجة من قبل بعض التشكيلات المسلحة الممولة من قطر والتي تسيطر بشكل فعلي على المحافظة وتوسع مساحة انتشارها لحماية ممرات تهريب السلاح والمعدات العسكرية إلى الحوثيين وتأمين انتقال الضباط الأتراك والقيادات الموالية لقطر التي تتنقل بين اليمن وعمان قبل انتقالها إلى محطات أخرى.
ووفقا لمصادر سياسية مطلعة تعد زيارة السفير الأميركي بمثابة تبنٍّ لمخاوف التحالف العربي بقيادة السعودية من تزايد الأنشطة المعادية ورسالة تهديد لأجندة إيران وتركيا وقطر في الملف اليمني.
وأكدت مصادر يمنية مطلعة لـ”العرب” أن خلية الأزمة التي أدارت ملف تفكيك واختراق جبهات صعدة منذ قرابة عامين، تولت مؤخرا ملف الساحل الغربي.
وتعمل هذه الخلية، التي تضم قيادات إخوانية يمنية أو موالية للدوحة، وضباط ارتباط قطريين وإيرانيين وأتراك، على قاعدة تفكيك العقبات العسكرية التي تهدد مشروع التمدد الحوثي أو تشكل خطرا على وجوده الإستراتيجي، كما هو الحال في جبهات محافظة صعدة التي نجحت الخلية في تفكيكها عبر عدة وسائل من بينها اختراقها بعناصر إخوانية أو استقطاب بعض قياداتها، وإرباكها سياسيا وإعلاميا.
وأشارت المصادر إلى أن مهمة تنفيذ مخططات استهداف القوات المشتركة في الساحل الغربي اليمني أوكلت إلى فرع الإخوان في تعز والقيادي الإخواني حمود المخلافي الذي يقود الآلاف من المسلحين الذين تم تجنيدهم خلال الفترة الماضية بتمويل قطري، وتم ضم الجزء الأكبر منهم إلى وحدات الجيش الوطني اليمني، أو أسست لهم ألوية خاصة.
واعتبرت المصادر أن إقدام عناصر مسلحة تابعة للإخوان على اختطاف العميد قايد الورد قائد اللواء الثالث حراس جمهورية في منطقة التربة بجنوب تعز بداية لتصعيد ممنهج من أجل استدراج العميد طارق صالح إلى مواجهة وشيكة مع ما يسمى بقوات “الحشد الشعبي”.
ويتزامن هذا التصعيد مع معلومات تفيد بتزايد النشاط الإخواني في الساحل الغربي، من خلال تعيين محسوبين على تيار قطر في مناطق سيطرة القوات المشتركة ونشر عناصر استخبارية وخلايا اغتيالات، والعمل على إحداث الوقيعة بين فصائل القوات المشتركة عبر سياسة ممولة لاستمالة قادة بعض تلك الفصائل وخصوصا المحسوبة على ما يسمى “المقاومة التهامية”.
ودخل بعض قادة هذه الفصائل الموالين للإخوان في صدامات مسلحة واحتكاكات تحت ذرائع “مناطقية” مع قوات طارق صالح وخصوصا في الخوخة الساحلية، في الوقت الذي تتبنى فيه جماعة الإخوان بتعز خطابا تصعيديا عدائيا ضد تواجد قوات “المقاومة المشتركة” في مدينة المخا التي تتبع إداريا محافظة تعز التي يهيمن عليها جناح الإخوان الموالي للدوحة وتركيا بعد إحكام قبضته على المحافظة عقب اغتيال قائد اللواء 35 مدرع العميد عدنان الحمادي وإحلال قيادة جديدة لبقايا اللواء من الموالين للإخوان.
وتشير مصادر يمنية إلى أن السياسة التي ينتهجها الإعلام التابع للقوات المشتركة، والتي تحثّ على التقارب مع حزب الإصلاح، اتضح أنها رهان خاسر، بالنظر إلى تاريخ التحالفات السابقة بين الحزب ومكونات يمنية أخرى، انتهت بشكل دراماتيكي كما هو الحال مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح والعميد عدنان الحمادي.
ويعد طارق صالح ابن شقيق الرئيس السابق عدوا إستراتيجيا لجماعة الإخوان في اليمن، التي تتعامل معه بوصفه تهديدا لمشروع الجماعة في الوصول إلى الساحل الغربي لليمن، وامتدادا لمشروع عمه الراحل الذي تخلى عن السلطة عام 2011 نتيجة احتجاجات قادها حزب الإصلاح، على عكس الحمادي الذي ينتمي أيديولوجيًّا إلى الحزب الناصري الذي تحالف مع حزب الإصلاح في مرحلة إسقاط صالح وانتهى بعملية اغتيال تشير أصابع الاتهام فيها إلى فرع الإخوان بتعز.
ويأتي التصعيد في الساحل الغربي والمهرة بالتزامن مع تجدد المواجهات في جبهات محافظة أبين (شرق عدن). وتؤكد مصادر سياسية يمنية أن طرفا إقليميا معاديا للتحالف العربي يقف وراء ذلك، ويسعى لإفشال تشكيل الحكومة اليمنية المتعثر بسبب رفض حزب الإصلاح الإعلان عن الحكومة قبل تنفيذ الشق العسكري من اتفاق الرياض.
وقالت المصادر إن التحالف العربي بات يفكر في قائمة من الخيارات للتعامل مع التصعيد والابتزاز الإخواني اللذين تمارسهما بعض القيادات النافذة في “الشرعية”، مشيرة إلى أن قيادة التحالف أوصلت رسالة مفادها أن استمرار الخضوع لإرادة التيار الموالي للدوحة داخل “الشرعية” بات أمرا غير مقبول وسيتم التعامل معه بصورة مختلفة في حال استمر رفض تلك الأطراف لتنفيذ اتفاق الرياض وعرقلة تشكيل الحكومة المنبثقة عن الاتفاق .