يحتل شاعر الثورة الجنوبية الشيخ يحيى محمد علوي الفردي مكانة متميزة كواحد من أشهر الشعراء الشعبيين المعاصرين على مستوى الجنوب، وهو شاعر مخضرم عاصر الأحداث منذ ما قبل الاستقلال، وكان وما زال بمواقفه مخلصا لوطنه وأشعاره لسان شعبه، فهي توافق مزاج الجماهير وتلامس هواجسها وهمومها وتتماشى مع غاياتها ورغباتها، وتمتاز بعذوبتها وسلاسة معانيها وقوة نبرتها وبما تزخر به من الصور الفنية. وهذا هو السر وراء اتساع قاعدة المعجبين بأشعاره.
إنه وبحق من أكثر الشعراء الجنوبيين حضوراً في مراحل النضال الوطني المختلفة منذ أكثر من نصف قرن، وتميز بثباته في مواقفه المبدئية التي انتصر فيها لقضايا شعبه ووطنه،ولم ينفصل لحظة عنها، بل ظل على ارتباط حميم بهما، وتكاد أشعاره الوطنية تغلب على ما عداها من موضوعات شعره. ويمكن القول انه يحمل هم وطنه وشعبه بموضوعية وصدق، ويتسم شعره بالوضوح في الرؤى السياسية والاجتماعية ويحفل بالمشاعر والاحاسيس التي تعكس نبض المجتمع فهو لسان حال شعبه، يعبر عن أمانيه وتطلعاته، وينافح عن كل قضايا الخير والعدل والمساواة والعزة والكرامة، ويصوب سهام نقده ضد كل ما هو سيء، والخيط الرئيسي الذي يربط معظم أشعاره هو الإحساس والجرأة في مواجهة الواقع الذي تصدى لقضاياه بشجاعة نادرة، وهذه الجرأة منحت شعره حيوية وجعلته أحد الأصوات المناوئة لكل أشكال الظلم والقهر والنفاق والسلوكيات الشائنة والعادات البالية، لذلك تشكل أشعاره مرآة تعكس الواقع على حقيقته، مسجلا نبضات القوة والضعف، الأفراح والأتراح، الانتصارات والإخفاقات، الأماني والطموحات.
وكان الشاعر ممن خاب ظنهم بالوحدة وقاوم الاحتلال بعد حرب صيف 1994م وكان في صدارة من رفضوا نتائج تلك الحرب الظالمة وقاوم نتائجها ولم يفقد الأمل بانتصار الحق لإدراكه أن شعب الجنوب الصابر والمجاهد لن يقبل بالظلم والضيم والاحتلال، وبرز صوته المقاوم في أشعاره التي توقد جذوة الثورة وتستنهض الهمم للخروج من الهزيمة والخلاص المنتظر للفكاك من الوضع المقيت. وفي خضم الثورة السلمية الجنوبية كانت أشعاره المحرضة تتناقل على ألسنة الناس الذين يتلقفونها عبر مختلف الوسائل وأسهم من خلالها بقسطه في تشكيل وجدان الشعب وإيقاظ الضمير القابع داخل كل إنسان بالفطرة لزيادة ثقة الشعب بنفسه، وكانت أشعاره من عوامل رفع الروح المعنوية واستنهاض الهمم في المواجهات ضد الغزاة الحوثيين وحلفائهم والانتصار عليهم ودحرهم من أرض الجنوب العربي.
وقد كان لي شرف الاهتمام المبكر بجمع وتوثيق قصائده واشعاره وزوامله وتقديمه للقراء من خلال الصحافة ثم نشر ثلاثة دواوين من أعماله صدرت حتى الآن، الأول (محاصيل القدر) عام 2003م، ثم (النبع المتفجر) عام 2008م، ثم ديوانه الأخير الذي صدر هذا العام 2020م باسم (تاج القوافي) والذي يضم نماذج من أجمل وأروع قصائده وزوامله ومساجلاته الوطنية في فترات زمنية مختلفة كان الشاعر خلالها في قلب الأحداث والمتغيرات التي عكسها في أشعاره، معبراً فيها عن هواجس وهموم الناس من حوله وآمالهم وتطلعاتهم إلى حياة أفضل، فضلا عما يزخر به شعره من مواعظ وحكم تحضُّ على القيم النبيلة، ويصح القول فيه أنه لسان حال مجتمعه وشاعر الشعب الملتزم وصوته المدوي، في كل المراحل والمنعطفات.
وكان الشاعر ممن تعرضوا للظلم والضيم في ظل نظام الاحتلال وشمله التقاعد القسري براتب حقير، بعد أن ظل شاعرنا ملتزماً لوظيفته البسيطة في مدرسة الفردة الابتدائية ومخلصاً لعمله كحارس منذ تأسيسها ثم مراسل للمدرسة، وكان راتبه البسيط مصدر دخله الوحيد لإعالة زوجته وأولاده، وبعد أن أفنى في عمله أكثر من ثلاثة عقود، هي أحلى سنوات عمره، لقي "جزاء سنمار" ففي عام 2000م تم إحالته للتقاعد قسراً، والأمَرَّ من ذلك أنه فوجئ بشطب 13عاماً من خدمته الفعلية ولم يتم احتسابها ضمن مستحقات راتبه التقاعدي دون وجه حق، وبدلاً من أن يتم ابقائه في عمله، أو يتم تكريمه بعد خدمته الطويلة وتفانيه وإخلاصه لعمله الذي لم ينقطع عنه لحظة، أو يُحتفى به كشاعر شعبي كَرَّس أشعاره لخدمة وطنه وشعبه، بدلاً من كل ذلك يُظلم حتى في مستحقاته القانونية دون أية مبرر. ولأن الشاعر لا قدرة له على المتابعة في دهاليز الروتين القاتل حينها ، فقد اكتفى بالوعود التي حصل عليها من المسئولين في إدارة التربية والتعليم بمحافظة لحج. ووجَّه بالمناسبة زاملاً لمدير التربية حينها الأستاذ حسين عبدالحافظ القاضي، رحمه الله، يقول فيه:
سلام مقدار يا قاضي وعالم كبير
ذي بالإدارة وبالتعليم أعلى مدير
من أجل موضوع شُف رحنا تعبنا كثير
من أجل يبقى المرتب للأديب الفقير
قالوا تقاعد ولا تسأل وابقى أجير
رَعْنَا شطبنا ثلتعشر سنه يا خبير
والآن يا خُوي باصرني لأنّك بصير
من تسعه وستين داخل مدرسه يا هدير
عصا بِيَدِّي وبُندق فوق جنبي اليَسِيْر
ما حد سمح لي ولا حد قال هذا أسير
على الشرف بسحَب ارجيلي ومَقدَرت سير
عساك تهتم.. فيكُم شُف أملنا كبير
وإلا ترانا سقطنا وسط حُفره وبير
والطير ذي هو بدون اجناح ما با يطير
ورغم الجحود الرسمي والظلم الذي لحقه، فأن الشاعر يحيى الفردي يحظى بحب وتقدير كبيرين من قبل الجماهير ومحبي شعره والمعجبين بثبات مواقفه، على امتداد الجنوب. ولذلك جاء التكريم الأهلي الذي حظي من قبل رعاة الجائزة الأهلية، جائزة العُر للإبداع وخدمة المجتمع من آل بن شيهون الكرام فشملوه بكرمهم بمنحه الجائزة للعام 2016م في مجال الإبداع الشعري.
ويبقى الدور الآن على المجلس الانتقالي بالالتفات لتكريم هذا الشاعر بتكريمه التكريم المستحق الذي يليق بمكانته ومواقفه الجنوبية الراسخة، وتأثيره في مسيرة نضال شعبنا، بعد مشواره النضالي الطويل وبلوغه قرابة الثمانين من العمر أو يزيد، ونثق في أن الرئيس القائد اللواء عيدروس الزبيدي سيتفاعل مع هذه الدعوة كعهدنا به في تكريم المبدعين ورعايتهم.