عيدروس الدياني كاتب من شبوة، متفرد الفكر ومتمكن الحرف، مبدع حد الدهشة ، نصوصه الفريدة تحتضن هموم الوطن والإنسان والغربة ، ولأعماله أثر خالد في ذهن قارئها ، رحلته الأدبية إبتدأت بالقصة القصيرة وصولا إلى الرواية ، نشرت له العديد من القصص القصيرة بمواقع وصحف ومجلات عربية متنوعة و فازت قصته القصيرة بعنوان "الوشم" بجائزة مجلة العربي الكويتية لعدد مايو 2017، و في عام 2019 صدرت له أول مجموعة قصصية بعنوان " انتقام صغير "، وفي هذا العام نال المركز الأول بجائزة محمد عبدالولي للرواية عن رواية "نخلة وبيت".
تحدث معنا عيدروس الدياني في هذا اللقاء على موقع عدن لنج عن رحلته الأدبية وطموحه وعن روايته الجديدة وانعكاس وتأثير الغربة على كتاباته.
حاورته/هناء عبدالله بن بريك
اللقاء: - كيف تصف نفسك للقراء؟
هذا من أصعب الأسئلة التي توجه لأي شخص , فمن الصعب أن يصف المرء نفسه ، لأن مرايانا الذاتية غير منصفة، دائما متحيزة، أما تعطينا ما ليس فينا ذما أو تعطينا ما ليس فينا مدحا ، لكن ربما ليصف الإنسان نفسه يحتاج لأن ينظر لها من خارج ذاته ليصف هذا الشخص الذي أمامه بتجرد وإنصاف، و إن كان لابد من الإجابة، فأنا إنسان عادي وبسيط ، أعتقد أن أكثر ما يميزني هو أنني قارئ جيد، وأحاول بشتي بوسائل كثيرة أن أكون كاتبا جيدا و أسأل الله أن يوفقني لذلك.
- حدثنا عن بداياتك الأدبية ونوع الكتابات التي بدأت بها؟
بدأت الكتابة تقريبا بسن مبكر ، لكن لم تكن الكتابة بالنسبة حينها هي الهدف أو الطموح ، و ماكنت أكتبه عبارة عن كتابات ذاتية أو كتابة بعض المواقف و الخواطر بمرحلة الثانوية ، واستمريت على هذا المنوال لفترة ، و أغلب كتاباتي آنذاك لم
يطلع عليها أحد، بنظري لأنه لم تكن للحد الذي تستحق أن تُقرأ، أما البداية الفعلية للكتابة بالشكل الذي كنت شبه راضٍ عنه، كانت مع بداية وسائل التواصل الإجتماعي، كنت أنشر في منصة انستجرام بعض الخواطر ، فرأيت أن ما أنشره كان يتضمن نوع من التصوير الأقرب إلى شكل القصة القصيرة ، فأتجهت إلى القصة القصيرة وبدأت أقرأ عنها وأقرأ لأبرز كتابها سواء كان على المستوى العالمي أو العربي، قرأت للكاتب الروسي انطون تشيخوف والكاتب جابريل جارسيا ماركيز وبعض الكتاب الأوروبيين ، وبالنسبة للعرب قرأت ليوسف ادريس ونجيب محفوظ والطيب صالح، هؤلاء كانوا أبرز من قرأت لهم ، وبالتأكيد تأثرت بما قرأته.
- من الذي ساهم في دفعك للأمام من حيث التشجيع والتحفيز في هذا المجال؟
بالحقيقة لم يكن شخصا واحدا، بل العديد من الأصدقاء الذين تلقيت منهم التشجيع و ولا استطيع أن أذكر اسم محدد خشية نسيان الآخرين .
- ما المواقع الالكترونية أو الصحف التي نشرت عبرها قصصك القصيرة؟
بعد النشر على منصة الانستجرام ، كان أول موقع نشرت فيه قصصي القصيرة هو موقع "جنة كتب" وكانت القائمة عليه الكاتبة الجزائرية جنات بومنجل، نشرت فيه قصتين الأولى بعنوان" في حضرة الموت" والثانية بعنوان "الصياد"، كما نشرت في صحيفة القدس قصة بعنوان "رائحة الموت" ، ثم شاركت في مسابقة مجلة العربي الثقافية الكويتية وفازت قصتي بعنوان "الوشم" بالمركز الأول في عام ٢٠١٧ ، بعد ذلك جمعت القصص وأصدرت أول مجموعة قصصية لي بعنوان "انتقام صغير" بعام ٢٠١٩.
- ما سبب إختيارك عنوان "انتقام صغير" واجهة لغلاف مجموعتك القصصية دون سواه؟
أكثر سبب جعلني أختار العنوان أن القصة برأيي من أجمل القصص التي كتبتها ، كما أن العنوان مناسب أكثر من غيره من العناوين الأخرى، فعندما أجريت مقاربة ومقارنة وقع اختياري على انتقام صغير .
- هل وصلت مجموعتك القصصية الأولى إلى الإنتشار الذي رغبت به؟
للأسف ، كثير من دور النشر يعدون بنشر وتوصيل الكتاب إلى كل مكان وأن فروعهم ستتولى ذلك في الدول العربية، ولكن هذا لم يحدث، فلم يكن هناك توزيع إلا في جمهورية مصر فقط ، حتى أن معارض الكتاب ليس لهم مشاركات سوى في القاهرة ، وأنا الذي توليت إرسال كثير من نسخ مجموعتي القصصية من السعودية إلى اليمن.
- كيف يمكن للكاتب أن يتصل إتصال وثيق بواقع بلده ويصوره في كتاباته وهو في أرض الغربة ؟
أغلب القصص كتبتها في أرض الغربة ، وعدد القصص التي كتبتها وأنا في اليمن تقريبا قصتين أو ثلاث ، حتى ونحن بالغربة الاتصال وثيق باليمن ، فالبلد تعيش معنا سواء بمتابعة الأخبار أو القصص والحكايات التي تأتينا من الواقع المعاش هناك، أيضا النشأة الذي نشأت فيها، وأساليب الحياة التي كانت موجودة ذلك الوقت أو مستمرة حتى الآن أثناء زيارتي لليمن، رغم أنها زيارة قصيرة لكن من خلالها نعرف كيف تسير الحياة هناك.
- برأيك مالذي يميز القارئ الجيد عن القارئ العادي؟
برأيي القارئ الجيد هو الذي ينتقي المجال الذي يريد ويرى أنه ممكن أن يستفيد من هذا الأمر، بالأضافة إلى أنه يقرأ بترتيب وأولولية، أي يبدأ بكتب معينة ثم يليها كتب أخرى وهكذا ،إلى جانب أن يختار الكتابات الجيدة للقراءة، وأتذكر هنا مقولة سمعتها لأحد الكتاب يقول
"الكتابة الرديئة معدية" فعلى الإنسان دائما أن يقرأ للكتاب الجيدين وينتقي أيضا الكتابات الجيدة ، أما القارئ العادي هو الذي يقرأ بعشوائية فأي كتاب يقع في يده يقراه ، أو أنه يقرأ الأشياء التي تستهويه دون تمييز إن كانت هذه الكتب محتواها جيد أم لا.
- ماذا ترد على من يصفك بالكاتب المتمرد؟
إذا كان من يصفني بهذا يقصد أن لدي أسلوب مختلف وأنني أحاول أن أتمكن من بعض تقنيات الكتابة التي لايدركها الكثير من الكتاب ، فإن كان هذا هو القصد ، فهذا شيء جيد، ولا أنكر أنني أسعى دائما لان أكتب بأسلوب جيد وبتقنيات جديدة ومختلفة، فالنمطية والسير بأسلوب واحد وبصوت سردي واحد أمر ليس بجيد بالنسبة للكاتب، فلابد أن يسعى لتطوير كتابته على الدوام .
- كم أستغرقت كتابة رواية "نخلة وبيت" وإلى ماذا تتطرق الرواية ؟
كتابة "نخلة وبيت" أستغرقت مني حوالي عامين ، منذ بداية كتابتها إلى أن رفعت القلم عنها، وهذه الفترة كانت للإضافة والتعديل وعرضها على الكثير من الأصدقاء، وحقيقة لم أحرم من المشورة والملاحظات التي أبدوها وأستفدت منها كثيرا، وهي الآن موجودة بدار نشر "عناوين" وهي القائمة على جائزة محمد عبدالولي وستصدر قريبا بإذن الله ، وعن
مواضيع الرواية فهي تتطرق إلى العديد من المشكلات الاجتماعية و جانب من الحياة السياسية بالفترة من عام 1967 حتى بعد عام 2000، كما تتناول جانب الغربة، ومعظم الرواية تتحدث عن الحياة في محافظة شبوة بشكل خاص والجنوب بشكل عام.
- ستواصل كتابة القصة القصيرة أم أن إتجاهك بعد نخلة وبيت سيكون روائيا ؟
القصة مدخل للرواية، لكن الرواية لا تغني عن القصة، وأنا وجدت نفسي بداية في القصة ، ومازلت إلى الآن أرى أن القصة أجيد كتابتها أكثر من الرواية، والنية هي الاستمرار بالإثنين ، ولكن ربما الأمر يعود على الفكرة والإلهام الذي يأتي، ففكرة القصة القصيرة تكون غير فكرة الرواية وأيهما أتت كتبنا بإذن الله.
- برأيك استخدام الرموز في الأعمال الأدبية بماذا تخدم الكاتب؟
الرمز يخدم الكاتب كونه يضفي على العمل جمالية خاصة, فالعمل الأدبي عندما يحتوي على رمز ينتج عمل أدبي مميز، وشخصيا لا أكثر من الرمز وأحتاج إلى أن تنمية مهاراتي في هذا الأمر.
- حدثنا عن تجربتك في ترجمة قصصك إلى اللغة الإنجليزية ؟
نشرت لي مجلة المدنية الصادرة من ألمانيا قصتان مترجمتان إلى اللغة الإنجليزية ، الأولى كانت بعنوان "دموع رجل" والأخرى "قلب دافئ"، كانت تجربة جيدة ، والمجلة مميزة بأعمالها الثقافية والفنية وداعمة للحركة الثقافية في اليمن ، وأتوجه بالشكر إلى الأستاذ عبدالسلام الربيدي كونه من تولى الأمر.
- كيف أثرت الغربة على إنتاجك الأدبي؟
كل شعور يمر به الكاتب هو مرحلة من مراحل حياته تؤثر فيه ، وبالنسبة لي فقد أثرت بي الغربة كثيرا, وفي كثير من القصص وفي روايتي ذكرت واقع الغربة ،
والغربة رغم مراراتها ، والبعد عن الأهل والوطن والأحباب إلا أن شعور المعاناة يحفز الكاتب للكتابة عن كل مايمر به ، فالغربة من هذه الناحية لها فائدة كبيرة خصوصا لي شخصيا .
- متى ينطفئ قلم الكاتب وكيف ممكن أن يعود للتوهج مرة أخرى؟
المسألة ليست نفسية فحسب ، أشعر أن الأمر مرتبط باللاوعي ، ممكن أن تمر أوقات كثيرة على الكاتب ولا تخطر براسه فكرة، ولا يشعر برغبة في الكتابة ، وفجأة بعد هذا الركود، تأتيه فكرة أو إلهام بشيء معين أو يتذكر شيء فيكون هذا بداية للكتابة ، وبرأيي من الأسباب التي أعتقد أنها تساعد على الرجوع إلى الكتابة هي القراءة ، ففي الوقت الذي لا أستطيع أن أكتب أعود إلى القراءة ، القراءة تعطي أفكار جديدة وتنمي قدرة الشخص الإبداعية على الكتابة، وتشغل الوقت الذي نتوقف فيه عن الكتابة.
- هل ثمة طقوس تمارسها أو أماكن تحب اللجوء إليها أثناء الكتابة؟
حقيقة أنا لايوجد لدي مكان معين أو وقت معين ، يمكنني أن أكتب بأي وقت وبأي مكان ، وحين تخطر لي فكرة معينة أسرع في تدوينها كي لا أنساها ، مثلا إذا طرقت فكرة برأسي أثناء العمل أكتبها ثم بوقت الفراغ أعيد صياغتها وتعديلها.
- ماهي النصيحة التي تقدمها بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية والذي وافق ال١٨ من الشهر الجاري ؟
اللغة هي الوعاء والأداة التي ليست فقط نكتب بها، بل أيضا نفكر بها، فاللغة شيء مهم والواجب على كل شخص وكاتب بشكل خاص أن يهتم بدراسة اللغة العربية وإتقان قواعدها ولو بالحد الأدنى.
- ما الذي تغير في عيدروس الدياني منذ مضيه في عالم الكتابة؟
بالنسبة لي تغير الطموح، فكلما حصل المرء منا على شيء يطمح إلى شيء أعلى منه.
- إلى أين يصل طموح عيدروس الكاتب؟
أكثر ما أطمح له هو الإرتقاء بمستوى كتاباتي لأصل إلى أكبر عدد من القراء ، وأن لا تكون القراءة في دائرة ضيقة بين المثقفين والمهتمين ، طبعا رغم أن هذا الطموح أعده صعبا، لكن لا بأس أن يكون الطموح عاليا، فيكون مستوى الركض أعلى والمسافة تقرب سريعا.
- هل تسعى للحصول على جوائز أدبية أخرى وهل فكرت بتحويل كتاباتك إلى أعمال مرئية؟
الجوائز إن أتت خير وبركة وإن لم تأتي لايعني أن نتوقف ، لأن الجوائز المقدمة قليلة ولا تستوعب كل المبدعين، كما أننا نجهل معايير كثير من الجوائز وبالنسبة لتحويل العمل لمرئي فهذا لا الأمر ليس من شأن الكاتب، فأرباب العمل المرئي هم من يرون مايصلح أو لا يصلح ولا أهتم حاليا بذلك.
- هل تتابع الأعمال الأدبية للجيل الحالي وهل يطلبون المشورة منك ؟
نعم أتابع الجيل الذي يكتب القصص حاليا، وأنا مشترك في معظم القروبات التي تهتم بالكتابة الإبداعية ، فأطلع على قصصهم وأتفاعل معها ويرسل لي الكثير من الأصدقاء قصصهم لأبدي المشورة ، و أقوم بإرسال ملاحظاتي ، فحتى أنا الآن أحتاج إلى المشورة كما يحتاجني الأصدقاء.
- ماذا يعني لك الوطن؟
الوطن هو الملاذ والهوية والإنتماء .
- كيف للكاتب أن يخدم وطنه؟
أن يكتب بضمير ويبتعد عن النفاق ، ربما مانحتاجه اليوم ليس فقط من الكاتب بل من الجميع أن يكتبوا بروح وضمير بعيدا عن الأنانية وعن النفاق المنتشر للأسف.
- كلمة أخيرة تحب أن توجهها من خلال هذا اللقاء ؟
أشكر كل من ساعدوني وأبدوا المشورة والنصح منذ أن بدأت الكتابة إلى اللحظة، وهم كثر سواء كانوا من الأصدقاء أو الكتاب والأدباء في عدن وغيرها من مناطق الجنوب، أو كان من العابرين الذين قد لا يجمعنا بهم سوى تعليق أو مشورة بمكان ما.
وأخيرا أوجه لكِ شكر خاص على هذه المساحة التي منحت لي .