حزام يافع يقبض على متهم بالقتل بعد ساعات من ارتكاب جريمته
في عملية أمنية نوعية، تمكنت قوات الحزام الأمني بيافع اليوم الثلاثاء من القبض على متهم بجريمة قتل يدع...
تكاد حادثة مقتل الشهيدة الملاك حنين ابراهيم البكري أن تكون أكثر القضايا إثارةً للجدل والنقاش والتداول عبر المنابر الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي والأحاديث الشفوية الثنائية والجماعية على مدى الأشهر ما قبل ١ أغسطس ٢٠٢٤م، نظرا لما عبرت عنه القضية من مضامين إنسانية واجتماعية وعاطفية وحقوقية.
كان يوم الفاتح من أغسطس ٢٤م هو موعد تنفيذ حكم الإعدام الصادر من محكمة الاستئناف بحق المتهم حسين هرهره، وقال لي أحد الحقوقيين المحترفين المحايدين، أن القضية اكتنفتها جوانب كثيرة من اللبس والغموض والتهييج والشحن العاطفي والانفعالي، وحرفياً قال لي أن الرأي العام كان له تأثراً غير هيِّنٍ على مضمون حُكم المحكمة، لأن العرف القضائي المتعارف عليه يقول إن كل لبس أو غموض يفسر لصالح المتهم، لكن في الأخير يظل القضاء هو السلطة التي لا سلطان عليها.
يمكن الحديث كثيراً عن تفاصيل وحقائق وملابسات ومجريات القصية، لكن ما يستحق التوقف عنده اليوم بعد الأشهر المشبعة بالتوترات والتجاذبات والمواجهات والتراشقات الكلامية-الإعلامية، هو الدروس التي يمكن أن نتعلمها من هذا الحدث وتبعاته وتداعياته.
وأهم هذه الدروس:
١. لقد تحولت الطفلة البريئة حنين، إلى أيقونة تجسد معاني الحب والبراءة والجمال النفسي والوجداني، ورمزاً من رموز ضحايا العشوائية والفوضى والانفلات الأمني، وصار اسم حنين ينتشر بين المواليد الجدد من الفتيات، نظراً لما يجسده الاسم من معاني البراءة والجمال والمظلومية المجتمعية.
٢. إن الانفلات الأمني واستفحال ظاهرة حمل السلاح عشوائيا، كان وسيظل سبباً رئيسيا في انتشار الجريمة وإطلاق النار العشوائي بما في ذلك ما يعرف بضحايا الرصاص الراجع، والنزاعات الصغيرة التي تتحول إلى كوارث، وما قضية الطفلة حنين سوى نموذج لهذا النوع من القضايا التي تبدأ صغيرة وتنتهي بمأساة، والحل الحاسم لهذه التداعيات كلها هي تحريم حمل السلاح لغير رجال الأمن والقوات المسلحة وأثناء قيامهم بأعمالهم فقط.
٣. لقد قدم الأخ إبراهيم البكري أبو حنين نموذجاً عظيماً في معاني الشجاعة والتسامح والسمو وتنازل عن حقه القانوني والادبي والأخلاقي في إنفاذ حكم القضاء، وبمثل ما يمثل هذا الموقف من الشجاعة الاخلاقية والأدبية النادرة، فإنه يقدم درسا مهما اكل الناس الذين لا سمح الله، قد يقعون في مثل هذه المواقف المؤسفة، وأختار ابراهيم أدق لحظة وأكثرها حساسية، وهي الدقيقة الأخيرة ما قبل تنفيذ الحكم، وبهذا قدم ابراهيم موقفاً استثنائياً قل مثيله في الإيثار والنبل والشهامة الاخلاقية.
٤. وشخصيا ظلت بذرة الأمل تراودني حتى اللحظات الأخيرة بأن الأخ ابراهيم سيدرك ولو متأخراً أن شجاعة التسامح وفضيلة العفو أسمى وأرقى وأعلى قيمةً من غضب القهر ونزعة الثأر، ولم يخب ظني.
٥. إن الدرس الأهم في كل هذه القضية ليس موجهاً للأخ حسين بن هرهره الذي يتملكني اليقين أنه قد استوعبه جيداً، لكنه موجه لكل شبابنا، وكهولنا، من الجنوبيين، الذين ما يزالون يعتبرون حمل السلاح واستعراض القوة دليلاً على الرجولة والكبرياء، وإن القيمة المعنوية للرجولة لا تكمن في مهارة توجيه السلاح وإصابة الهدف، لأن هذا النوع هو سلوك مستورد وغريب على مجتمعنا، بل إن الرجولة تكمن في تحكيم العقل والسيطرة على الغضب، وتقدير العواقب قبل وقوع الخطيئة.
يطول الحديث في هذه القضية الإنسانية لكن ملخص الدرس يكمن في أهمية الشراكة المجتمعية في نشر الوعي المدني ومحاربة العصبيات، وتنمية ثقافة التسامح والتسامي الإنساني والاخلاقي.
وهي مناسبة للتوجه بالتحية للأخ الكريم إبراهيم البكري أبو حنين لتسامي روحه فوق كل الاعتبارات، ولوالدته الكريمة التي علمنا بأنها كانت مشاركة في إقناعه باختيار الصفح والعفو.
ولنتعلم جميعا من دروس هذا الحدث.
والله ولي الهداية والتوفيق.