عدن لنج/كتب :أ.مشارك.د. أمين العلياني
النقد بصورة عامة يعدُّ فنًا من جهة، وعلمًا من جهة أخرى، وترجع هذه الثنائية في مفهومية النقد إلى استكشاف التعميمات القيمية المستخلصة من تاريخ الأعمال الأدبية الكبرى، تاريخ التقاليد وبصمات المواهب الاستثنائية وتاريخ الاستجابات والتلقي من جانب النقاد والقراء. هذا الاستكشاف ينتهي بتعريف الذوق بأنه " ممارسة الحكم على أعمال معينة بناء على مرجع عام، هذا المرجع لا يمكن تحديده إلا بأنه قيمة أو قيم ما. فالحكم يستند إلى القيمة، أي أنه معقل بالقيمة، وإن كانت القيمة نفسها غير معللة ". هذا التعريف يقوم في أحد جوانبه على أساس أن الأدب ذاته له رسالة مقصودة لذاتها هي "الرسالة الأدبية" التي لا علاقة لها بحل المشكلات في الحياة العلمية "فلابد من الاعتراف بأن علم الأدب هو- في نهاية المطاف- دراسة للقيم. فليست القيم إلا معاني نستحسنها لذاتها، أو نستحسنها استحسانا مطلقا". هكذا يصبح النقد هو "العلم الفني" أو "التقييم المفسر" الذاتي، الموضوعي في آن واحد.
أولًا، النقد الانطباعي:
هو نقد يصدر من متذوق للأدب والفن تحت تأثير الانطباعات الأولية السريعة الذوقية أو المزاج الخاص الفردي، الذي يخلو من التفكير العميق، والتأمل الدقيق والدراسة المعمقة، وغالبًا ما تكون أحكام هذا النقد الانطباعي جزئية عامة سريعة غير معللة، يصف فيها الناقد المتذوق النص أو الفن، ولا يبين الأسباب التي دفعته إلى الحكم، وبيان القيمة.
ومن هنا، تجد هذا هذا النوع من النقد يمتاز أو يتصف بالسذاجة والبساطة والمبالغة في إصدار الأحكام القيمية؛ لأنه مبني على الانفعال والتأثر والنظرة العجلى، ولم يبنَ على قواعد وأسس علمية صحيحة اتفق عليها النقاد على وفق خلفيات نظرية مستنبطة من الفلسفات المختلفة وعلم الجمال والتصورات المعرفية الدقيقة للغة التي بني عليها النص المقروء أو المسموع.
ثانيًا، النقد الأدبي:
يُعد النقد الأدبي عملية تحليل وتفسير وتقييم الأعمال الأدبية، وتتم عملية النقد من خلال أربع مراحل، وهي الملاحظة والتحليل والتفسير والتقييم. يتم في المرحلة الأولى قراءة النص الأدبي ومحاولة فهم معناه، ويقوم الناقد في المرحلة الثانية بتحليل النص الأدبي وتفكيكه إلى عناصره الأولية ومعرفة طريقة تنظيم الأجزاء مع بعضها البعض. في المرحلة الثالثة يشرح الناقد العلاقة بين الأجزاء والعناصر ومعرفة ما يود المبدع قوله، وأخيراً يُصدر حُكمه المبنى على فهمه للنص ككل.
إن معرفة المعنى الحقيقي للنص، والمُراد منه أمرٌ ليس سهلًا، وهذا ما يجعل دراسة الإنتاج الإبداعي عملية مُعقدة ومُمتعة في الوقت نفسه، ولذلك يُعد النص الإبداعي مصدرًا للتأمل والجدل غير المنتهيين، حيث يتنافس النقاد في تقديم قراءات وتفسيرات مقنعة لنص إبداعي ما، كما يراها كل منهم من منظوره، وقد تكون هذه التفسيرات مستقاة من كل ما يحيط بالنص كما هي في المناهج السياقية (التاريخي/الإجتماعي/ النفسي) على وصف أن المعنى المقصود في بطن المبدع، أو من النص نفسه كما هي في المناهج (الأسلوبية/ البنيوية/ السيميائية) على وصف أن المعنى المقصود في بطن النص، أو من المحيط والنص ذاته، كما هي في المناهج (التفكيكية/ القرائية/الثقافية)، على وصف أن المعنى المقصود هي استجابة للنص الذي تصنعها ثقافة الناقد وخلفياته المعرفية، تاكيدًا أن الاستجابة من القارئ ما هي الإ نص إبداعي موازٕ للنص الأصل، ومن هنا يمكننا أن نستنتج من أن النقد الأدبي مر بتحولات عديدة، فقد كان تركيزه على المؤلف، وتحول إلى النص، ثم تحول أخيرًا إلى القارئ.