الرئيس الزُبيدي: لا سلام في المنطقة في ظل استمرار الإرهاب الحوثي برًّا وبحرًا
التقى الرئيس القائد عيدروس قاسم الزُبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، في مقر إقامته بالعاصم...
توفيق جزوليت، إسم له رنينه الخاص لدى الجنوبيين، إسم يكاد يعرفه كل من عاصر حرب صيف 1994، إنه لصاحب التغطية الإعلامية الأشهر لتلك الحرب.
بعد غياب إعلامي استمر لسنوات، يطل ابن مدينة الرباط عاصمة المملكة المغربية، وابن الحركة الوطنية المغربية، عبر "العربي"، مستعيداً شريط ذكريات الحرب "المدمرة" كما يصفها، ومحللاً تطورات الأزمة التي تعصف باليمن. بالنسبة إلى أستاذ العلاقات الدولية وحقوق الإنسان في كلية الحقوق بمدينة الرباط، يبدو الوضع اليمني في غاية التعقيد، ما يستوجب "دوراً دولياً فاعلاً"، و"إيجاد تعريف موضوعي للقضية اليمنية". ولا ينسى الحائز شهادة الدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة سولفورد البريطانية توجيه رسائله إلى الجنوبيين، حاضاً إياهم على "إيجاد خطاب سياسي مقنع".
من عدن إلى حضرموت إلى شبوة... مناطق تنقلت في ما بينها، كيف تنظر إلى تلك التجربة؟
كانت حربا أهلية شرسة وسريعة، وشاءت الأقدار أن أكون متواجداً في تلفزيون صنعاء حينما انطلقت الحرب الأهلية، وبدأت الطائرات الجنوبية تهاجم المواقع الإستراتيجية الشمالية ومن ضمنها تلفزيون صنعاء، لذلك بدأت في التغطية منذ بداية تلك الحرب في صنعاء، وبعد أيام قليلة انتقلت إلى عدن ومن ثم إلى جميع المحافظات الجنوبية الست، حيث يبدو لي أنني قمت بتغطية المعارك أينما حلت في الجنوب من المواقع الأمامية.
كانت تجربة مؤلمة وفي غاية الخطورة في آن واحد. أن أقوم بتغطية حرب بين الإخوة اليمنيين كنت أعتبره مؤسفاً بل مؤلماً لحد كبير، غير أنني مع احتدام المعارك في الجنوب ومعرفتي بالتطورات السياسية والأهداف المتوخاة من الحرب المدمرة، اقتنعت بفعل ملموس أنها حرب غير متكافئة تهدف في ختام المطاف إلى فرض الوحدة بالقوة، لهذا وذاك، لا ريب أن أبناء اليمن في الجنوب أطفالاً ونساءً وشيوخاً دفعوا ثمن الحرب، لأنها انطلقت واستمرت وانتهت في أرض الجنوب.
كيف تم اختيارك لتغطية الحرب في اليمن؟
أولاً، لا بد من التذكير بأنني كنت أول مراسل لمحطة "MBC"، ثم أول كبير مراسلي المحطة، قبل أن أتبوأ منصب رئيس قسم البرامج الوثائقية والسياسية إلى حدود مغادرتي لمحطة "MBC".
ولقد تم اختياري لتغطية الحرب في اليمن، لكوني قمت بتغطية الحرب الأهلية في الصومال وذلك عام 1993، وأمضيت ما لا يقل عن شهرين من الزمن، أرسل تقارير تعكس أجواء تلك الحرب التي لا تقل شراسة عن الحرب الأهلية باليمن.
ما هي أصعب المواقف الإنسانية التي ما زالت عالقة في ذهنك؟
لقد تعرضت لمحاولة القتل أكثر من مرة خلال تغطيتي للمعارك، إذ إنني كنت أصر على المضي قدماً في التغطية من المواقع الأمامية، وأذكر على سبيل المثال وليس الحصر، في إحدى المعارك في عدن وبالتحديد في جبهة صلاح الدين، كنت صحبة مجموعة من المقاتلين الجنوبيين، فتعرضنا لقصف مدفعي عنيف نجونا منه بصعوبة، ولولا عناية الله لكنت وكان فريقي وأخ يمني جنوبي عزيز على قلبي من عدن رافقني في تلك التغطية وسمه أنوار بن فريد الردقاني، لكنا جميعا في عداد الموتى، غير أن هذا لم يؤثر قيد أنملة في إصراري على مواصلة التغطية، لكي يعلم الرأي العام اليمني والعربي والدولي حقائق المعارك. وكنت مصراً، حينما تقف المعارك في النهار، أن أزور المستشفيات، وقمت بذلك خصوصاً في المكلا وعدن حيث شاهدت وعايشت مآسي ستلازمني طيلة حياتي من الأطفال الأبرياء الذين أصيبوا بقذائف أردتهم موتى، وجعلت مني إنساناً أجد صعوبة في فهم واستيعاب حرب ضروس بين الإخوة من شطري اليمن، تقضي على الجماد والإنسان وكل شيء يتحرك في الجنوب.
كيف تلقيت خبر سقوط المكلا وعدن وأين كنت؟
حينما سقطت المكلا كنت متجهاً إلى المنطقة الجبلية، التي دخلت منها القوات الشمالية دون أية مواجهة من قبل الجنوبيين، ولعلني اعتبرت هذا الحدث بمثابة خيانة لم يستطع أحد إلى يومنا هذا أن يشرح لي كيف ولماذا انسحبت القوات الجنوبية من المكلا، ثم علمت أن علي سالم البيض قد غادر مكان إقامته في المكلا رفقة مرافقيه وأفراد عائلته في اتجاه سلطنة عمان.
أمضيت الليلة في المكلا قبل أن أغادرها إلى دبي، حيث أخبرني القائمون على محطة "MBC" أن المغفور له الملك فهد بن عبد العزيز يود مقابلتي بخصوص حرب اليمن، وبالفعل توجهت إلى جدة وكنت في وضع صحي سيء للغاية حيث فقدت السماع من أذني اليمنى، مما حدا بالسعوديين إلى إرسالي فوراً إلى المستشفى الموجود داخل قصر الملك فهد، حيث تم معالجتي نسبيا. وفي اليوم التالي استُقبلت من قبل العاهل السعودي، وكان بصحبته الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض آنذاك، فقمت فوراً بعرض تقييمي لمسار الحرب التي شنت على الجنوب، كما أنني ذكرت للعاهل السعودي أن الوضع بشكل عام مأساوي وأن المعارك لا تزال مستمرة حول عدن، وبالتالي يستوجب دعم المقاتلين الجنوبيين بأسلحة متطورة وطائرات حربية ومؤونة قبل أن يفوت الأوان، وكان رده مقتضباً إذ قال لي بالحرف: "يا توفيق استعد للعودة إلى الجنوب وقل لما تبقى من القيادة الجنوبية، سنعمل على دعمهم كي لا يسقط الجنوب، ووافني بآخر المستجدات، ومن جهتنا سنبدأ حالاً في إرسال العتاد إلى المقاومين الجنوبيين".
وعند مغادرتي لمكتب العاهل السعودي، ورغم وضعي الصحي السيء، بدأت بإعداد فريق جديد للعودة إلى اليمن وتم تزويدي بهاتف يعمل بالأقمار الصناعية. كان لا بد من الإنتظار أكثر من 48 ساعة لكي أتحرك في اتجاه الجنوب من جديد، غير أن عدن سقطت يوم 7 يوليو ولم أعد بعد إلى الجنوب.
كيف كان وقع فتوى الشيخ الزنداني بإباحة دمك عليك؟ وكيف تعاملت مع تلك الفتوى أمنياً؟
الواقع أن قرار بعض قياديي حزب "التجمع الوطني للإصلاح"، وفي مقدمتهم الشيخ عبد المجيد الزنداني، أنني زنديق، حالي حال قياديي ومناضلي "الحزب الإشتراكي" الجنوبي، وبالتالي يجوز قتلي، ينم عن سبب رئيسي وهو أنني كنت الإعلامي الوحيد الذي ينقل المعارك من المواقع الأمامية، لذلك كنت جزءاً من المعركة الإعلامية التي تفضح دعاية الإستخبارات الشمالية بالنسبة للحقائق على الأرض. وفي خضم هذه التطورات، اتصل بي المرحوم الأستاذ فضل مطلق، مدير تلفزيون عدن، ليخبرني أنني مهدد بالقتل من قبل مقاتلي حزب "التجمع اليمني للإصلاح"، ونصحني بل كان مصراً أن أغادر عدن على الفور، وأستمر في تغطية المعارك في حضرموت، ولقد فكرت ملياً، وقررت مغادرة عدن مع مجموعة من المقاتلين الجنوبيين في باخرة من صنع سوفياتي قديمة للغاية في اتجاه المكلا، وأمضينا 5 أيام في البحر نتناول عصير المانجو فقط ، وفي أسفل الباخرة كانت هناك مجموعة لا تقل عن 150 معتقلاً من حزب "الإصلاح"، مكتوفي الأيدي. وعند وصولنا إلى المكلا ، بدأت في التغطية من جديد إلى حدود سقوطها، وأريد في هذا الصدد أن أضيف ما يلي: عندما سقطت عدن في 7 من يوليو اقتحمت مجموعة من القوات الشمالية مدعومة بمقاتلي حزب "الإصلاح" فندق عدن، ثم طوقوه وبدأوا يفتشون أركان الفندق وهم يهتفون باسمي، وحينما تأكدوا من عدم وجودي غادروا الفندق.
هل مازلت تحتفظ بأرشيف عن حرب اليمن لم تكشفه بعد؟
فعلاً لدي أرشيف مهم عن حرب اليمن لم أكشفه بعد، لأنني لا أريد أن أنبش أكثر مما فعلت في الماضي لكي لا يؤثر على التلاحم الجنوبي الجنوبي.
ما هي رؤيتك لتطورات الأزمة في اليمن؟
يبدو أن الوضع الديبلوماسي في غاية التعقيد، إذا أخدنا بعين الإعتبار إحاطة مبعوث الأمم المتحدة الأخيرة لمجلس الأمن حول الأوضاع في اليمن. إذ كان الشارع الجنوبي يتوقع أن يكون أساس مبادرته استمراراً لدعم شرعية الرئيس هادي، غير أن طرح المبعوث الأممي اعتبر بمثابة نزع الشرعية من الرئيس، وتسليمها للإنقلابيين الذين أعلنوا الحرب منذ 2014 حتى الآن، ولعل أخطر ما أورده ولد الشيخ ضمن إحاطته بشأن الجنوب لم يكن متوقعاً، وقد لا يعكس الحقيقة على الأرض، أي أن الجنوب تحكمه منظمات إرهابية. لذلك يبدو لي جلياً أن فهم واستيعاب الأمم المتحدة من خلال مبعوثيها وأعني بذلك جمال بن عمر وولد الشيخ يبتعد عن المعطيات والحقائق على أرض الواقع، لذلك من المفروض على الفقهاء في القانون الدولي في الأمم المتحدة إيجاد تعريف موضوعي للقضية اليمنية كما هي في الواقع قبل طرحها للحل.
إن قضية اليمن برمتها تحتاج إلى دور دولي فاعل وليس إلى وسيط توفيقي بين الشمال والجنوب، فالقضية الجنوبية هي القضية المركزية وحلها هو المدخل الإلزامي لتفكيك الأزمة في اليمن.
ما هي رسالتك للجنوبيين؟
أنا مقتنع أن الحل الوحيد هو استعادة الجنوبيين لدولتهم كاملة السيادة، ولتحقيق هذا الهدف المنشود يجب القول إن الجنوبيين في حاجة ماسة وملحة إلى قيادة سياسية منسجمة بعيدة عن المناطقية والتعصب القبلي. هذه القيادة يجب أن يقودها زعيم يتوفر على أعصاب فولادية وعلى استراتيجية واضحة المعالم وخطاب سياسي مقنع، يستقطب اهتمام واحترام الشعب، وأن يكون صادقاً ومخلصاً في أدائه، وأن يقود الجنوب من عدن وليس من الرياض ليعمل على تقوية الجبهة الداخلية، والحفاظ على المكتسبات العسكرية، واستباب الأمن والسلم في المحافظات الست، وليستطيع بالتالي إقناع المنتظم الدولي والأمم المتحدة بأحقية الجنوبيين في الإستقلال والحرية.
فالمسيرة لا تزال شاقة وطويلة ولكنها قابلة للنجاح، وتحقيق الإستقلال وبناء مجتمع عربي جنوبي ديمقراطي وليبرالي يحترم حقوق الإنسان وحقوق المواطنة.
هل تتمنى زيارة عدن؟
لا ريب أنني أريد زيارة جميع المحافظات الجنوبية التي زرتها خلال الحرب وفي مقدمتها عدن، أتمنى من الله تعالى أن ينعم اليمن بشطريه بالسلم والسلام حتى يتمكن اليمنيون من إعادة بناء محافظاتهم وبلادهم بشطريها الجنوبي والشمالي.
هل اعتزلت الشاشة لصالح العمل الأكاديمي؟
بالفعل لا أود العودة إلى الشاشة من جديد، بل أجد نفسي مهتماً أكثر بالبحث العلمي والتدريس الجامعي. أعتبر أن التعليم بشكل عام مهنة شريفة تساعد المجتمعات على التطور والتقدم والإرتقاء إلى مواقع عليا، لذلك أعتبر أن تجربتي في الجامعة لا تقل أهمية عن تجربتي في الإعلام.